للأعلى
07-فبراير-2013

همسة فى أُذن الشباب

الحمد لله

مهما اتهموكم فى دينكم..

مهما اتهموكم فى أخلاقكم..

مهما اتهموكم فى إخلاصكم لقضيتكم..

مهما حاولوا تشويه صورتكم..

مهما تعاظمت آلامكم من الظلم الذى يواجهكم..

مهما تاجروا بدمائكم أو جراحكم..

واعترتكم الحيرة أو الغضب مما يجرى..

أنتم الأمل.. والغد لكم..

وهذا الغد قادم لا محالة عما قريب..

فأحسنوا ولا تيأسوا..

فإنّ تعنُّت الظالم دليل ضعفه..

وقسوة الجلاد علامة خوفه..

وغلظة العبارة دليلٌ على ارتعاش يد من ينطق بها..

وتناقض الاتهامات علامةٌ على فقد مصداقية من يوجهها..

اعقدوا آمالكم بالله تعالى عندما تشعرون بمرارة الخذلان ممن يحيط بكم..

فلم يُظهر الله لكم توالى الخذلان منهم إلا ليُطهِّر قلوبكم من شوائب الاعتماد عليهم..

ليَخلُص اعتمادكم عليه، ويَكْمُل استنادكم إليه.. {ومَنْ يَتَوكَّلْ على اللهِ فهُوَ حَسْبُهُ}.

اطلبوا حقيقة التقوى حينما تشاهدون شطط من يستقوى عليكم بصورتها ومظهرها..

فما قامت أمّة على صورة ولا استقام أمرها على مظهر..

تذوّقوا معنى إشارة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى صدره وهو يقول: (التقوى هاهنا)..

لتُوقنوا بأن عماد الأمر هو القلب..

وأن الأغصان المرتفعة نحو عنان السماء تستمد نضارتها فتزهر وتثمر بما تُمدها به جذورها الضاربة فى باطن الأرض..

عيشوا سمو عبارة سيدنا المسيح عليه السلام عندما أجاب الذين كانوا يُفرغون أمراض نفوسهم بالمطالبة برجم المرأة الخاطئة قائلاً:

(من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولاً)..

لتُدركوا ضحالة منطق من يرميكم بالتهم..

فتتجاوزوا مستنقع التَجنّى الآسن دون أن تخوضوا فيه مع الخائضين..

وتكونوا ممن يرتقون فى معارج نقد الذات إلى صفوف من يصطفيهم الله لإصلاح الفساد الذى ظهر فى البر والبحر..

تأملوا عبارة نبى الله شعيب عندما اتهمه قومه بما ليس فيه واستخفّوا به لقلة عدد من معه ونظروا إليهم بعين الاحتقار ونعتوهم بالأراذل..

فأجابهم بسكينة الانكسار وصدق التواضع وعظمة التوكل على الله:

{إِنْ أُريدُ إلا الإصْلاحَ ما استطعتُ وما توفيقى إلا بالله عليهِ تَوكَّلْتُ وإليه أُنِيْب}..

فتطلبوا حقيقة التوفيق من اعتمادكم على الله فى نجاح سعيكم وتحقيق آمالكم التى ناضلتم وضحيّتم من أجلها..

أكتب هذه الكلمات فى وقت كثرت فيه السهام التى ترميكم، والتهم التى تكال لكم..

وكثرت فيه الأصوات الطامحة فى جنى ثمار غرسكم، الذى سقيتموه بجهودكم، ودماء إخوتكم، ودموع أمهاتهم..

وليس لدى ذرة شك فى أن الأيام المقبلة ستكون لكم..

ولكن..

احذروا الخطر الحقيقى..

نعم أحبتى، الخطر الحقيقى..

وليس المقصود به ما يحيط بكم هذه الأيام من الأذى الظاهر على أيدى من يحاربونكم فهم أضعف من ذلك بكثير..

لكنه خطر أهواء النفوس وأطماعها..

فهو الداء الذى تنشط جراثيمه منذ اللحظة الأولى للنصر..

ولا تستغربوا من الحديث عنه الآن، ولا تستخفّوا به..

فقد كان عدد من جلّاديكم اليوم يعيشون بالأمس ما تعيشونه اليوم من معانٍ ومعاناة..

ولكن إهمال التنبه لضرورة الاستعداد لهذا الخطر بالأمس، هو ما صنع منهم ما ترونه اليوم..

وقد قال بعض السلف: ابتُلينا بالهزيمة فثبتنا وابتُلينا بالنصر فلم نثبت!

شيدوا صرحاً من التقوى الظاهرة أساسه {تقوى القلوب}..

اطلبوا تزكية الأنفس..

واصدقوا الله فى الاعتراف بالتقصير..

تلمسوا الطريق إلى سجود القلب لحظة سجود الجسد..

اعبدوا الله بالحب..

أحبوه لأن ذاته تُحب.. وأحبوا خلقه من أجله..

فإنّ (الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)..

أحبوا المحسن وأعينوه فى إحسانه..

وأحبوا المسىء وأعينوه على نفسه..

وهذا مخاض صعب ثقيل.. والنفس الأمارة بالسوء تتهرب من خوضه..

ولكن تذكروا أنكم قد اخترتم الطريق الصعب الذى لا يجرؤ على سلوكه إلا من كان شجاعا..

ومواجهة الباطل لا تقتصر على الواقع المحيط.. بل تغوص فى أعماق النفوس لخوض معركة شرسة مع الباطل الكامن فيها..

فتقوَّوا على معركتكم بهدى النبوة وتذكروا العبارة التى كانت مكتوبة فى قائم سيف سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذى كان يجاهد به الظلم:

(صِل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقُل الحق ولو على نفسك).

والوصية العظيمة لسيدنا المسيح عليه السلام التى تتوجه لمن يطلب حقيقة القوة:

(سمعتم أنه قيل: تُحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم).

فاستعينوا به تعالى يُعِنْكم واطلبوا رضاه فيما تعملون تجدوه معكم ولسوف ينصركم.. {والعاقبة للمتقين}..

هذه كانت همسة فى أُذن الشباب.. أينما كانوا.. وفى أى بلد سكنوا..

اللهم يا مقلب القلوب.. ارزقنا تقوى القلوب..

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions