للأعلى
30-سبتمبر-2008

مداخل الشيطان

ذلك لأن كيد الشيطان ضعيف، ويكفي لدفعه ذكر الله تعالي، إلا أن يجد في النفس أهواءها وفي القلوب أمراضها، فلولا هوي النفس، ولولا مرض القلب، ما كان للشيطان سبيل، حتي ليصل الإنسان إلي مرتبة لا يستطيع الشيطان فيها أن يقترب منه فضلاً عن الوسوسة.

«إِنَّ الشَّيطَانَ لَيفْرَقُ مِنْكَ يا عُمَرُ»

ودليلك علي ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه -: «إِنَّ الشَّيطَانَ لَيفْرَقُ مِنْكَ يا عُمَرُ» (مسند أحمد ٣٨/٩٣ برقم ٢٢٩٨٩)، بل ويهرب منه: «إِيهًا يا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ مَا لَقِيكَ الشَّيطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيرَ فَجِّكَ» (صحيح البخاري ٣/١٣٤٧ برقم ٣٤٨٠)، فلا يقترب الشيطان من ذات قد امتلأت بهذه المعاني، ولا يقوي الشيطان علي التأثير إلا بقدر ما في النفس من سوء، وإن حيل الشيطان ومداخله تدق وتخفي كلما ارتقي الإنسان في السير إلي الله، ولهذا نحن بحاجة لمعرفة مداخل الشيطان.

مداخل الشيطان

يذكر العلماء للشيطان سبعة مداخل أساسية يتفرع عنها ما لا يعد ولا يحصي من المداخل الأخري، فبعضها جلي وبعضها خفي، وبعضها ضعيف مع الجلاء، وبعضها قوي مع الخفاء، ولا يفهم اختلاف درجاتها في الخفاء والجلاء إلا برؤية وتبصر.

الأول: صرفك عن العمل: لا تعمل

إذا قررت فعل شيء من الطاعات يأتيك الشيطان من أول مدخل ليصرفك عنه، أردت أن تصلي الصبح في جماعة وسوس لك بالنوم وأن الله غفور رحيم، أردت عملاً من أعمال الخير والبر صرفك عنه باحتياجك أنت للمال أو عدم استحقاق من تصرفه إليهم، فما العمل ؟

لا يحتاج منك الشيطان في العمل إلي جدل ونقاش، فقط قل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، ثم خاطب نفسك بأنك تحتاج إلي هذا العمل وإن لم أعمل فبم ألقي الله؟ فإذا قال الإنسان أنا بحاجة إلي العمل ينصرف الشيطان، لأنه لا يقدر أن يجادلك في أنك محتاج إلي العمل، وهذا القول في حقيقته مخاطبة للنفس التي تلقفت وسوسة الشيطان بعدم العمل.

الثاني: التسويف: اعمل غداً

إذا قررت العمل يأتيك الشيطان من ثاني مداخله، ويقول لك: أنا معك أنت محتاج إلي العمل، لكن ليس الآن، فإن العمر طويل والصبر علي اللذات صعب علي النفس، إذا أردت أن تصلي فلتصل لكن غداً، حج بيت الله لكن العام القادم، تزوج ولكن بعد أن تتمتع بحياتك وهكذا.

وعلاج هذا الأمر في مخاطبة النفس بالتذكير بالموت، هل للموت وقت معلوم حتي تستعد له من الغد أو بعد أن تتمتع بحياتك؟ وبأن لكل يوم عملا مقسوماً، فإذا أديت عمل اليوم استقبلك الغد بعمل جديد، وإذا أجلت عمل اليوم إلي الغد فمتي تقوم بعمل اليوم التالي؟

الثالث: الرياء: اعمل ودع الناس يعلمون

فإذا قالت النفس سأعمل الآن، هل يتركك الشيطان؟ يأتيك من مدخل ثالث.

يقول لك الشيطان: أنا أوافقك علي أن تعمل، وأن تعمل الآن دون تسويف، لكن لو يعرف الناس بعملك الصالح سيقتدون بك في الخير ويضاعف لك الأجر والثواب، يقال إن أحد التجار أتي إلي مجلس الشيخ عبدالوهاب الشعراني وقال: سمعتك تتحدث عن أجر صدقة السر وأنا أريد أن أتصدق فدلني علي فقراء يستحقون، فقال له: لا أراك تأهلت لصدقة السر بعد. فقال له: اختبرني، فدله علي أهل بيت من الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، فذهب في ظلمة الليل ووضع كيساً من الذهب أمام باب منزلهم وانصرف دون أن يراه أحد.

إلا أنه بكر إلي مجلس الشعراني في اليوم التالي، فلما لم يجد من الشيخ اهتماماً ولا سؤالاً عما فعل، خاطبه من قبيل البشارة بأن صدقة السر قد عمت بين الناس بفضل الله، فتبسم الشيخ ولم يرد. فقاطعه ثانية بأنه بلغه أن هناك صدقة سر كانت في المكان الفلاني، فتبسم الشيخ، فقال الرجل: فقط من قبيل الاقتداء أريد أن أبلغكم أنني قد تصدقت بالبارحة سراً، فضحك الشيخ وقال: ألم أقل لك إنك لم تتهيأ بعد لصدقة السر؟

فالمدخل الثالث يأتيك من الرياء، يقول لك: قم فاسبق الناس إلي المسجد فيجدونك قائماً تصلي، ما معني هذا المدخل؟ أنك لم تكتف بنظر الله إليك، ولو كان قلبك قد امتلأ بعظمة الله لاكتفيت بعلمه ونظره، وما سعيت إلي طلب نظر الخلق إليك، وهو أشد سوءا يتشاغل بالنظر إلي أحد الأتباع في حضرة الملك العظيم، وعلاج هذا الأمر يحتاج إلي دقة وعمل طويل.

الرابع: التعجيل في أداء الطاعات: اعمل بسرعة

أي العجلة وترك التثبت في الأمور، لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة، والتبصرة تحتاج إلي تأمل وتمهل والعجلة تمنع من ذلك، وعند الاستعجال يروج الشيطان شره علي الإنسان من حيث لا يدري.

حاول أن يثنيك عن العمل، ثم حاول أن يؤجله، ثم حاول أن يوصل العمل بالرياء فلم يفلح، فلا أقل من أن يأتي العمل مختل الأركان أو السنن أو بغير تدبر حتي يفقدك معني الحضور مع الله فيه، فيأتيك بالتعجيل بالعمل، يقول لك: اقرأ القرآن وانظر كم تختمه في رمضان، فتتعلق عيناك وقلبك منشغل بالمكتوب علي هامش الصفحة من ربع الحزب ونصفه وبدايات الأجزاء ونهاياتها.

وعلاج الأمر بتذكير النفس بحاجتها إلي العبادة وأن الحضور مع الله من روح العبادات، وأن الذي يؤدي العمل متعجلاً بغير حضور كمن يهدي إلي الملك فرساً جميلاً أصيلاً لكنه ميت.

الخامس: العجب: ما أكمل عملك!

يدخل الشيطان إلي الإنسان الذي أدي العمل – دون تسويف ولا رياء ولا عجلة – بمدخل إعجاب النفس بالعبادة، فيداخل النفس منها ما يبطل به عمله، إذ تجعله ينظر إلي طاعته بعين المنة علي الله تعالي وإلي طاعة الآخرين بعين الاحتقار، وعلاج الأمر بتذكر ما تحدثنا عنه سابقاً من أن بدايات كل عمل صالح خاطر خير من الله تعالي، فكيف تمن علي الله بما أعطاك هو جل جلاله؟

السادس: خواطر في العقيدة: لماذا تعمل؟

يأتيك الشيطان ويقول لك: لا تتعب نفسك هل تدري الخاتمة؟ أمورك مقدرة قبل خلقك، فلا ينفعك عمل صالح إذا كان مصيرك إلي النار، ولا يضرك الشر لو كان مكتوباً لك أن تكون من أهل الجنة، وهو مدخل دقيق يلتبس علي كثير، وعلاجه أيضاً مخاطبة النفس بأن الله تعالي كلفنا بالعمل ولم يتعبدنا بالنتيجة والخاتمة، فأنت تعمل بصدق وتلجأ إليه وحاشاه تعالي أن يخيب رجاء من التجأ إليه.

السابع: دقائق الأمور

وهو مدخل جامع لكل المداخل السابقة مع التركيز علي ما خفي وغمض من الحيل، فهناك رياء ظاهر لا يخفي علي فطن، وهناك أنواع من الرياء الخفي، ومثلها في العجب والتسويف وغيرها، وهي تحتاج إلي تفصيل، موعده المقالات القادمة بإذن الله تعالي

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions