للأعلى
08-يوليو-2013

جعلوني مُلحدا

خاطرة الإثنين حول تبرير شريحة من الشباب اختيارهم الإلحاد بسوء تصرفات

الحمد لله

ظهرت أصوات تدعو إلى ترك الدين بذريعة ما أفسدته بعض الجماعات المنتسبة إلى العمل «الإسلامى» بأقوالها وتصرفاتها.

وأتفهّم جيداً دواعى مراجعة شرائح متسعة من الشباب لمسلّماتهم الدينية الموروثة طلباً لمعرفة الحقيقة، وهذا من حقهم إذا سلكوا طريق المنهج العلمى الجاد، بل ربما يجب عليهم أن يفعلوا ذلك فى مثل هذا العصر، لكن التوقّف هنا فى الربط بين هذا القرار وما نراه ونشهده من نماذج قبيحة لأقوال كثيرين وتصرفاتهم من المنتسبين إلى التدين وإلى الدعوة إليه.

فمن يُبرر لنفسه ترك الدين بسلوكيات المتدينين الخاطئة ينبغى أن يراجع مصداقيته مع نفسه من الناحيتين الأخلاقية والعقلية، وقبل أن يُساء فهم العبارة ويُظَنُّ أنَّ فيها حكماً على العقول والأخلاق، إليكم بيان المقصود:

أما الناحية الأخلاقية: فالمُقترح عليه أن يُفتّش فى أعماق نفسه عن دوافع قراره ترك التدين، فلربما يجد منها الميل إلى التخلص من أى التزام يوجب عليها أن تفعل أو تترك «الفرض الواجب والممنوع الحرام» فالنفس تستثقل الالتزام، لا سيما إذا كان إلزاماً بغير معرفة للمقاصد أو تذوق للمعانى، وهنا يجد الصادق مع نفسه أنه بحاجة إلى ربط القرارات بأسبابها الحقيقية، ثم يقرر طريقة التعامل معها.

وأما الناحية العقلية: فالمطلوب هو النظر فى صحة المُقدّمة التى بنى على أساسها النتيجة، وهذه المقدمة هى ربط صوابية المبدأ والعقيدة وسلامتهما بتصرفات كل من يدّعيهما، وهذا محل نظر لأنَّ ارتباط تصرفات الإنسان الخاطئة بفهم سقيم لنصوص دينية يعتقدها لا يعنى خطأ هذه النصوص، وإنَّ مخالفة الإنسان للمبادئ التى يتبناها لا يعنى بالضرورة أن يكون الإشكال فى هذه المبادئ، إذ لا يوجد مبدأ أو اعتقاد إلا وقد صدرت عن الذين يعتقدونه أو يتبنّونه تصرفات سيئة.

وإليكم أمثلة واقعية على ذلك:

* ظهر فى مَن يدّعون أنهم «إسلاميون» الكاذب والسارق والقاتل المجرم الذى ينتحل صفة الجهاد كالقاعدة والسلفية الجهادية وبعض الحركات السياسية الإسلامية.

* ظهر فى مَن يدّعون أنهم مسيحيون السارق والكاذب والقاتل باسم الصليب والمدعى بأن الرب قد أمره بشنّ الحرب على بلاد واحتلالها كالحروب الصليبية وميليشيات الصرب وتبريرات احتلال العراق.

* ظهر فى مَن يدّعون أنهم يهود من يسرق ويكذب ويقتل ويحتل ويتآمر كالكيان الصهيونى المحتل واللوبيات التى تعمل على خدمته.

* ظهر فى مَن ينتسبون إلى البوذية من يكذب ويسرق ويقتل ويقوم بالاستئصال العرقى كالحروب القديمة بين البوذيين مع الهندوس وما يجرى الآن فى بورما «ميانمار».

* ظهر من الملحدين من يسرق ومن يكذب ومن يقتل شعوباً ويشرد أمماً أمثال لينن وستالين اللّذَين تسببا فى قتل أكثر من أربعة وعشرين مليون إنسان داخل الاتحاد السوفييتى السابق والأحزاب الشيوعية فى الصين وجنوب اليمن والعراق.

* ظهر من العلمانيين والليبراليين من يكذب ومن يسرق ومن يشنّ الحروب الظالمة التى تنطلق من الأطماع كالحروب العالمية التى كانت الدول المتقاتلة فيها تعتمد العلمانية فى أنظمة حكمها والتى فاق ضحاياها السبعين مليون إنسان، وتبريرات الاحتلال البريطانى للهند وبقية المستعمرات.

* ظهر من الأدباء والفلاسفة وعلماء النفس من يكذب ومن يسرق ومن يناقض الأخلاقيات التى يُقرّ برُقيّها وأهميتها كافتراء «فولتير» على «روسّو» بسبب غيرته من إقبال الناس عليه إلى درجة تأليف كتاب باسم مستعار لفّق فيه تهماً قبيحة قذف بها «فولتير» قرينه «روسّو»، واستجابة «فرويد» لأطماع ابن أخته «إدوارد بيرنيز» فى مساعدته على التأسيس لنظرية التسويق التى تقوم على إيهام المستهلك أنه بحاجة إلى السلعة.

إذاً فالعقل يرفض محاكمة المبدأ والمعتقد لمجرد وجود من يسىء التصرف من أتباعه، لا سيما إذا كان منظّرو هذا المبدأ يرفضون هذه الجرائم فى تنظيرهم له، وكان علماء هذا المعتقد يرفضونها فى عقيدتهم وفتاواهم.

وهنا يبرز عمل التنظير والفتوى وتحقيق صدق انتمائهما إلى المبدأ والعقيدة وصحة تمثيلهما لكل منهما.

وأخيراً..

لعلّه من الأفضل لمن يعيش انفعالاً ناتجاً عن ردة الفعل أن يتريّث قبل اتخاذ أىّ قرار يتعلق بالمبدأ أو المُعتقد إلى أن يهدأ ويتضح له الفرق بين ردة الفعل والبحث الجاد حتى لا يكون فريسة لحالته النفسية فيخالف بذلك مقتضى الأخلاق والعقل اللّذَين يظن فى لحظة الانفعال أنهما منطلق قراره.

(ومِنَ النّاسِ مَنْ يعبدُ اللهَ على حرْفٍ فإنْ أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ وإنْ أصابَتْهُ فتنةٌ انقلبَ على وجههِ خَسِرَ الدُّنيا والآخرةَ ذلكَ هُوَ الخُسرانُ المُبين).

(سنُريْهِم آياتِنا فى الآفاقِ وفى أنفسِهم حتى يَتبيَّنَ لهم أنَّهُ الحقُّ أوَلَم يَكفِ بربِّكَ أنَّهُ على كلِّ شىءٍ شهيد).

اللهم اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق وحبِّبْ إلينا الإيمان وزيّنه فى قلوبنا إنّك أنت الرؤوف الرحيم.

- لإبداء رأيك حول الخاطرة في موقع الصحيفة

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions