للأعلى
20-فبراير-2014

الشيخ والقسيس في مأساة أفريقيا الوسطى

الحمد لله..

معلومات موجزة عن البلاد:

- تقع بين دولتي السودان وتشاد والكاميرون ودولتي الكونغو.

- البلاد غنية الموارد “بترول ومناجم ألماس ويورانيوم” فقيرة السكان مع انتشار الجهل والمرض.

- سكانها يتجاوزون ٤,٥ ملايين نسمة يشكل المسيحيون أغلبية بنسبة ٥٠٪، والمسلمون ٢٥٪، والوثنيون ٢٥٪، مع اختلاف في التقديرات يبقى فيها المسلمون أقلية.

- تعاني البلاد من توالي الانقلابات منذ إعلان استقلالها عن فرنسا، مع بقاء شركات فرنسية تسيطر على امتيازات المناجم والتنقيب عن النفط.

خلفية الأحداث الدامية:

- تأسَّس تحالف يدعى سيليكا “Séléka” مكوَّن من عدة جماعات غالبيتها من الشباب المسلمين غير الملتزمين دينيًا إلا أن نظرتهم إلى الغالبية المسيحية نظرة متطرّفة.

- تشكلت جماعة مسلحة تدعى انتي بيلكا “anti balaka” من الشباب المسيحيين تحمل توجهات متطرفة معادية للأقلية المسلمة بالرغم من أنهم غير ملتزمين دينيًا، ودخلت في مواجهة مسلحة مع تحالف سيليكا.

- سعى تحالف سيليكا إلى الوصول إلى الحكم عبر الانقلاب على الرئيس المسيحي “فرانسوا بوزيزيه” الذي وصل إلى الحكم عن طريق انقلاب على الرئيس الذي سبقه.

- عندما شعر الرئيس “فرانسوا بوزيزيه” بأن تحالف سيليكا “المسلمين” أصبح يشكل خطرًا على كرسيه وسلطته، أخذ يحرض جماعة انتي بليكا “المسيحيين” على المسلمين وزعم كذبًا أنهم من العرب المهاجرين وأنهم يريدون القضاء على الكنائس والسيطرة على البلاد، ودعا إلى قتالهم.

- نجح تحالف سيليكا في الانقلاب إثر تخلي فرنسا عن الرئيس المسيحي “فرانسوا بوزيزيه” بعد أن أصبحت فضائح الفساد المالي لنظامه لا يمكن سترها أو الدفاع عنها، بالإضافة إلى أنه قد أعطى بعض امتيازات التنقيب عن النفط لشركات صينية وفتح أمامها المجال لتنافس الشركات الفرنسية مما أثار غضب فرنسا.

- تمكن تحالف سيليكا من الوصول إلى الحكم وتولّى قائده المسلم “محمد ميشيل جوتوديا” رئاسة البلد وأعلن حل جماعته المسلحة، غير أنه لم يستطع السيطرة عليهم وكبح جماح نشوتهم بالوصول إلى السلطة، كما تحمّس للانضمام إليهم أعداد من الشباب المسلمين وأخذوا يعتدون على المسيحيين وعلى كنائسهم ويتفاخرون بأن المسلمين يسيطرون على البلاد وأنهم سوف يجعلونها بلدًا مسلمًا، بالرغم من أن غالبية هؤلاء الشباب ليسوا ملتزمين بالأحكام الشرعية، وهم أقرب إلى العصابات.

- رفض أئمة المسلمين في البلاد تعدّيات تحالف سيليكا على المسيحيين ووقف رئيس الجالية المسلمة “إمام عمر كوباين لاياما” ضد ممارسات بعضهم الإجرامية وقتلهم للمسيحيين وتعدياتهم على الكنائس.

- تعرض إمام عمر للأذى والتهديد من قيادات تحالف سيليكا فأصرّ على الدعوة إلى حماية المسيحيين وكنائسهم واتّحد هو والأسقف “وبانغي ديودوني انزابالاينغا” للعمل على دعوة المسلمين والمسيحيين للسلام، وذهبا إلى أوروبا لمخاطبة الساسة الأوروبيين في ضرورة العمل على استقرار البلاد والتوقف عن تسليح الجماعات المسلحة من المسلمين والمسيحيين.

- استجاب عدد من الشباب المسلم الملتزم لدعوة “إمام عمر كوباين لاياما” فوقف ٣٠ منهم في حي “كيلوميتر  5” في جنوب العاصمة لحماية الكنيسة الكاثوليكية، وكانوا يحاولون إقناع شباب جماعة سيليكا المسلحة بأن الإسلام لا يُجيز الاعتداء على الكنائس غير أن الاستجابة كانت ضعيفة في ظل نشوة الانتصار والشعور بالسلطة.

- انضمت أعداد كبيرة من الشباب المسيحي إلى جماعة انتي باليكا واشتدت المواجهة بين الجماعتين المسلحتين وتجاوز القتال المسلحين إلى قتل المواطنين العُزّل بما فيهم النساء والأطفال وأصبح الوضع في البلاد خارج السيطرة.

- تدخلت القوات الفرنسية لنزع السلاح من الجماعات المسلحة، إلا أنها لم تحقق توازن نزع السلاح إذ يبدوا أنها رجّحت الكفة لصالح جماعة انتي باليكا  “anti balaka” فكثر القتل في المسلمين.

- استقال الرئيس المسلم “ميشال جوتوديا” وتولّت الحكم الرئيسة المسيحية “سامبا بانزا” التي أعلنت رفضها للجرائم ودعت العالم للوقوف معها في حربها ضد الجرائم البشعة التي تُرتكب ضد المسلمين.

- وفي هذه الأيام حيث ترتكب مليشيات الجماعة المسيحية المتطرفة “anti balaka” أبشع جرائم الاستئصال العرقي ضد المسلمين العُزّل برز من قساوسة الكنائس من يسعى إلى إيواء المسلمين العُزٌل وهم يتحملون بسبب ذلك اتهامات المتطرفين المسيحيين وهجومهم عليهم.

يقول القسّ المحترم “إكزافي فاغبا” راعي كنيسة “سانت بيتر” في بلدة “بوالي” ردًا على تعرضه للهجوم من الشباب المسيحي المتطرف بسبب إيوائه أكثر من ٦٥٠ لاجئ مسلم في كنيسته:

“لقد حان الوقت الآن لكل من هو صالح أن يتخذ موقفًا جادًّا، ويُثبت قوة إيمانه”؛ ويشكو من هجوم المتطرفين المسيحيين عليه فيقول: “لم يفهم أحد ما قمت به، بل هددوني وهاجموني”.

- لا تزال المأساة الإنسانية قائمة إلى حين كتابة هذا التقرير والمجازر ترتكب ضد المسلمين العُزّل، وتم تهجير الآلاف منهم وهدمت عشرات المساجد.

وأخيرًا..

-  هذه الجرائم ليست دينية وإنما هي جرائم سياسية ذات خلفية اقتصادية ألبسها مرتكبوها رداء الدين ليستثيروا الفتنة الطائفية ويشعلوا حميّة الشباب من الطرفين.

فقد نقلنا سابقًا أن من أهم أسباب هذه المجازر البشعة هو خدمة مصالح شركات النفط وإدارة المناجم المتنافسة على امتيازات التنقيب في أفريقيا الوسطى، وأغلبيتهم من العلمانيين الذين يستغلون  العصبية الدينية لدى الشباب والبسطاء في إدارة الصراع.

- إن السكوت على هذه المذابح الإجرامية وعدم التدخل الجاد لإنقاذ المسلمين العُزّل لا يقل إجرامًا عن ارتكابها.

- يجب العمل الفوري على إيقاف هذه الانتهاكات، والمسارعة إلى تقديم المعونات إلى المهجّرين المسلمين حتى يعودوا إلى بيوتهم آمنين.

- إذا لم يتم العمل الجاد على إيقاف هذه المجازر البشعة التي تُرتكب ضد المسلمين العُزّل فقد يؤدي ذلك إلى استجابة الغاضبين الغيورين من الشباب المسلم إلى دعوات التنظيمات المسلحة التي تتردّى برداء الدين للتوافد على أفريقيا الوسطى والقتال فيها دفاعًا عن المسلمين، مما قد يوسّع دائرة الصراع لتتدخل التنظيمات المسلحة الأخرى التي تتستر برداء الدين مثل جماعة “جيش الرب” وتُحرّض الشباب المسيحي الغاضب من مختلف دول أفريقيا فتشتعل نارٌ يصعب إطفاؤها.

- والأشد من ذلك هو ما نراه ونسمعه من لغة التحريض على المسلمين في الدول الغربية من قِبل اليمين المتطرف والجماعات النازية الجديدة، والتحريض على المسيحيين في منطقتنا من قِبل الجماعات  المتأسلمة وخوارج العصر، واستغلال أمثال هذه الجرائم البشعة وصور الاعتداء والذبح والتمثيل بالجثث لصب الزيت على نار الفتنة وتجنيد الشباب الغيور الغاضب في توسيع رقعة العمليات الإجرامية في مختلف دول المنطقة.

- لقد حان الوقت لأن يقف العقلاء الصادقون من المسلمين والمسيحيين وقفة “شجاعة” في وجه هذا العبث والتلاعب بالدين في تبرير الجرائم وإعطائها الغطاء الديني تحت مسمى “الجهاد” من الطرف المسلم أو “الحروب الصليبية” من الطرف المسيحي، دون خوف أو خضوع لابتزاز المتطرفين وتهديداتهم وضغوطاتهم عن طريق حملات التشويه والاغتيال المعنوي أو الاغتيال الحسّي.. والله المستعان وعليه التكلان.

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}

“الأحزاب: ٣٩”

[وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا] “رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 2: 2″

اللهم فرجك القريب يا رؤوفًا بالعباد.

صور التقرير مع التعليق عليها:

خارطة جمهورية أفريقيا الوسطى

خارطة جمهورية أفريقيا الوسطى

إمام عمر كوباين لاياما و الأسقف وبانغي ديودوني انزابالاينغ أثناء تحركهم لمحاولة حقن الدماء

إمام عمر كوباين لاياما و الأسقف وبانغي ديودوني انزابالاينغ أثناء تحركهم لمحاولة حقن الدماء

بعض شباب المسلمين أثناء مرابطتهم لحراسة الكنيسة الكاثوليكية

بعض شباب المسلمين أثناء مرابطتهم لحراسة الكنيسة الكاثوليكية

القس إكزافي فاغبا يستقبل في كنيسته المسلمين الهاربين من جرائم الاستئصال البشعة

القس إكزافي فاغبا يستقبل في كنيسته المسلمين الهاربين من جرائم الاستئصال البشعة

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions