للأعلى
22-سبتمبر-2014

الداء والدواء

الحمد لله

في ظل المعترك الذي تتسارع أحداثه وتتتابع إلى حدٍ تغيب معه العقول، فتصيب الناسَ  حالةٌ من فقد الاتزان وضبابية الرؤية واللهث خلف كل صرخة، يجد الإنسان نفسه في حاجة ماسّة إلى خلوةِ تأمّل ووقفةِ تَفكُّر، لعله يظفر بلحظة صدق يَمُنّ الله تعالى فيها عليه بتبصرة.

وعند الابتعاد عن الضجيج، والمراء واللجاجة والخصومات، يجد المتأمل أن مسارات كوارث منطقتنا تتلخص في الأمراض التالية:

١. الطائفية (سنة وشيعة، مسلمون ومسيحيون.. الخ).

 وجذورها تعود إلى ما أسماه سيدنا محمد ﷺ “داء الأمم”.

قال سيدنا ﷺ: “دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين..”.

وعلاجها: نشر السلام والمحبة كما في تكملة الحديث:

“.. والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم”. حديث حسن رواه أحمد والترمذي وأبو يعلى.

٢. العنصرية (عربي وفارسي وكردي وأمازيغي ونوبي، هاشمي وقحطاني، نجدي وحجازي ويماني، بدوي وحضري، أسود وأبيض.. الخ).

وجذورها تعود إلى ما أسماه سيدنا ﷺ “دعوى الجاهلية”.

فقد قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار فنادى كل طرف قومه “يا للمهاجرين، يا للأنصار”، وفي موقف آخر بين قبيلتي الأوس والخزرج من الأنصار، فنادى كل طرف قبيلته: “يا للأوس، يا للخزرج”.

فقال سيدنا ﷺ: “أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم، دعوها فإنها منتنة”. رواه البخاري.

وقال أبو ذر رضي الله عنه: إني كنت سابَبْتُ رجلاً  وكانت أمه أعجميةً، فعيّرتُهُ بأُمه، فشكاني إلى رسول الله. فقال ﷺ: “يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية”. رواه البخاري ومسلم.

وذكر ابن حجر والنووي أن الرجل هو الصحابي بلال بن رباح وأمه اسمها “حمامة” من أهل النوبة.

وعلاجها: اعتبار التقوى ميزان المفاضلة كما قال سيدنا ﷺ: “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”. حديث صحيح رواه أحمد وغيره.

٣. الغثائية أو اللهث خلف الأطماع الدنيوية (المال، السلطة، المغالبة).

وجذورها تعود إلى ما أسماه سيدنا ﷺ “الوهن”.

قال سيدنا ﷺ: “..وليقذفن الله في قلوبكم الوهْن”. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهْن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”. حديث صحيح رواه أبو داود.

وقال سيدنا ﷺ: “إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مُسْتخْلِفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا..”. رواه مسلم.

وقال سيدنا ﷺ: “.. وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها”. رواه البخاري.

وقال: “.. فوالله لا الفقرَ أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم). رواه البخاري ومسلم.

وقد حذّر سيدنا ﷺ من النتائج المترتبة على هذه الأمراض وخلاصتها:

١. كثرة الفتن:

 قال سيدنا ﷺ: “بادروا بالأعمال فِتنًا كقطع الليل المظلم يُصبح الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا يبيع دينه بِعرَضٍ من الدنيا”. رواه مسلم.

٢. تفشّي القتل:

قال سيدنا ﷺ: “والذي نَفْسي بِيَده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فِيمَ قَتل، ولا المقتول فيمَ قُتل”. فقيل: كيف يكون ذلك؟ قَالَ: “الهَرْجُ، الْقاتل والمقتول في النَّار”. رواه مسلم.

وقال سيدنا ﷺ: “إنّ بين يدي الساعة الهَرْج”. قالوا: وما الهرج؟ قال: “القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه”. قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟! قال: “إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويَخلُفُ له هَباءٌ من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء”. حديث صحيح  رواه أحمد وابن حبان وابن أبي شيبة.

٣. استخفاف الأمم بنا وتآمرهم علينا:

قال سيدنا ﷺ: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم من كل أُفق كما تداعى الأكَلة إلى قصعتها”. فقال قائل: ومن قِلّة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السيل، ولَينزعنّ اللهُ من صدور عدوكم المهابةَ منكم، ولَيقذفَنّ الله في قلوبكم الوَهْن”. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهْن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”. حديث صحيح رواه أبي داود وغيره.

ملاحظة دقيقة:

إنّ هذه الكوارث من النوازل العامة التي تعصف بالمجتمعات والأمم قد أرجع سيدنا ﷺ جذورها إلى أمراض في نفوس الأفراد، وجعل النتائج الوخيمة فروع تنبت من هذه الجذور فتثمر الكوارث والمصائب العامة، نسأل الله العافية والفرج.

وإلى هذا المعنى أشار الحق سبحانه وتعالى؛ فقد أقسم بالمظاهر المؤثرة في هذا العالم (الشمس والقمر والنهار والليل والسماء والأرض)، وأقسم بعد ذلك بنفس الإنسان وكأنها من مظاهر التأثير في هذا الوجود.

ثم جعل جواب القسم هو أن “الفلاح” و “الخيبة” معلقان على تعامل الإنسان مع نفسه فقال تعالى في سورة الشمس: {قدْ أفلَحَ مَنْ زَكَّاها وقدْ خابَ مَنْ دَسَّاها}.

إذن فالحل والعلاج القرآني لهذه الكوارث هو “تزكية النفوس”؛ وإنّ ما نحتاج إليه اليوم هو شجاعة مواجهة هذه الحقيقة قبل أن تسارع نفوسنا الأمّارة بالسوء إلى التهرّب من مواجهتها بالاستخفاف بها، ودعوى الاشتغال بالقضايا العامة، والشؤون العظمى للأمة.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها، يا ذا الجلال والإكرام.

- See more at: http://www.alhabibali.com/writings_details/ln/ar/typeof/2/writingid/164#sthash.6uDcyQS4.dpuf

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions