للأعلى
13/09/1438
14-يونيو-2017

إنسانية التعامل مع المخطئ.. اليوم السابع

يقتضى التعامل بميزان الإنسانية استيعاب فئات مختلفة يجمع بينها تعامل قلبى بالرحمة ومحبة الخير أولاً، ثم تعامل فى الظاهر تحكمه قاعدة عدم التسبب فى الإضرار بالآخرين من جانب، وتصويب الخطأ بمنطق الاستيعاب من جانب آخر، أى كيف نستوعب من يخطئ ويسىء عن قصد أو بإساءة التعبير والتصرف؟

لاحظوا كيف نتعامل فى حياتنا اليومية وعبر شبكات التواصل الاجتماعى مع ما يبدو فى الظاهر مخالفًا أو مقابل زلة لسان أو سوء تعبير، إذ سرعان ما تنصب له المشانق وتعلو الأصوات المطالبة بإهدار دمه قصاصًا أو الحبس والاعتقال أو الاغتيال المعنوى ولو عبر الاجتزاء والتلفيق والإثارة وتحريض السلطات العامة.

هذه النزعة فى الانتقام والتشفى التى تذكرنا بحلبات المصارعة الرومانية قديمًا، تعنى أن إنسانيتنا اليوم فى حاجة إلى إنعاش، والأخطر إذا تحولت تلك النزعة إلى تدين تحيل صاحبها عاشقًا للدم والأذى ولو باقتطاع واجتزاء نص وإخراجه عن سياقه.

رأيت مشهدًا لأحد شباب داعش داخل مسجد يتحدث فيه عن النحر، فيأتى بسكين وينصح بالتمهل حتى يتلذذ الشخص بذبح المخالفين، ويرى فى هذا دينا يتقرب به إلى الله تعالى!

نعم فى المشهد سوء فهم خطير للدين يحتاج إلى مراجعة، لكن المشكلة هنا أعمق من قضية جهل أو تحريف، المشكلة فى غياب الإنسانية والآدمية فى التعامل مع المخالف والمخطئ.

لهذا استوقفنى عهد الإمام على بن أبى طالب لمالك بن الحارث الأشتر لما ولاه مصر قال له فيه: «ولا تَكُونَنَّ عليهم سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فإنهم صِنْفَانِ: إِمَّا أخٌ لك فى الدين، وإما نظيرٌ لك فى الخلق، يَفْرُطُ منهم الزَّلَلُ وتعرض لهم الْعِلَلُ، ويُؤْتَى على أيديهم فى العمد والخطأ، فَأَعْطِهِمْ من عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مثل الذى تحب أن يعطيَك الله من عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ».

وهذا معنى نجده فى سيرته، صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك التعامل مع جيش المسلمين العائد من مُؤْتَةُ، إذ تلقاهم رسول الله والمسلمون معه، وجعل الناس يَحْثُونَ على الجيش التراب ويقولون: يا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فى سبيل الله! فيقول الرسول الرحيم، صلى الله عليه وسلم: «ليسوا بِالْفُرّارِ ولكنهم الْكُرّارُ إن شاء الله تعالى».

وكذلك قَبِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم فى صلح الحديبية شروطًا رآها البعض مجحفة، بمنطق: ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ أليس قتلانا فى الجنّة وقتلاهم فى النّار؟ فعلام نعطى الدّنيّة فى ديننا؟ بل لم يستجيبوا لأمره، صلى الله عليه وسلم، بالنحر والتحلل ثلاث مرات، فأخذ بمشورة سيدتنا أم سلمة إذ قالت: «يا رسول الله: اعذرهم، فقد حملت نفسك أمرا عظيما فى الصلح، ورجع المسلمون من غير فتح، فهم لذلك مكروبون، ولكن اخرج يا رسول الله وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك فعلت تبعوك».

ومن قصص الاستيعاب ما رواه معاوية بن الحكم السلمى، إذ قال: بينا أنا أصلى مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوننى، لكنى سكت، فلما صلى رسول الله، فبأبى هو وأمى ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما نهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى، قال: «إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شىء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».

فالرجل حديث عهد بالإسلام والمسلمون غضبوا من تصرفه، إلا أنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، توقف عند حد التعليم مستوعبًا الرجل، وهو المعنى الذى سنبحث فيه فى مقالات مقبلة بإذن الله تعالى.

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions