للأعلى
06-مايو-2012

مقالات: لا تزور

مقال بقلم المدون محمد خشعان

الأيام الفائتة شهدت زيارة كلاً من الشيخ الحبيب علي الجفري و مفتي مصر الشيخ علي جمعة لمدينة القدس والتي أكدوا فيها أن السلطات الإسرائيلية لم تختم على جوازاتهم وهذه الزيارة بالتأكيد أحدثت جدلاً واسعاً من قبل المسلمين أو الشرق أوسطيين على وجه الخصوص، وكما يعرف الجميع أن أساس العرب هو ” الاختلاف ” فإنّ الناس انقسمت إلى فسطاطين، الفسطاط الأول هو الذي بالطبع رفض هذه الزيارة بشدة و شبهها بأنها تطبّع واقتناع بوجود دولة إسرائيل. أما الفسطاط الآخر الذي رضي بهذه الزيارة بل ولا يجد حرج في الذهاب إلى القدس لإيمانه أن القدس هي أرض عربية ونسيانها أو هجرها بحجة التطبيع هو عمل يخدم دولة إسرائيل نفسها ولا يخدم القضية بأي شكل من الأشكال.
قبل الخوض في المسألة بشكل تفصيلي، علي أن أقول أنّ مسألة زيارة القدس كانت ولا تزال مسألة خلافية من الطراز الأول على المستوى الفقهي و على المستوى المجتمعي أيضاً، و أنّ كل طرف له رأي يؤخذ ويرد عليه. فسأبدأ بسرد أسباب التأييد و الرفض ثم أترك لك عزيزي القارئ الخيار في اختيار الرأي المناسب بعد التفكير و التدقيق….
أولاً: الرفض
- بما أن فلسطين محتلة ، والواجب ليس زيارتها وإنما تحريرها وتطهيرها من دنس الصهاينة ، فإذا عجزنا عن تطهيرها فالأولى لنا مقاطعة من يستولوا عليها فلا ندخل سفاراتهم ولا نطلب الإذن منهم ليسمحوا لنا بالدخول أو عدمه و هذا هو أهم سبب لرفض أغلب العرب لموضوع زيارة القدس و هي تحت الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني. كما أن الدخول إلى السفارات الإسرائيلية يجعل وجودهم معتاداً عليه وبالتالي نعتاد على بقاء هذا الاحتلال الغاشم على أرض فلسطين.
- وكما أجمع أغلب العلماء على تحريم التطبيع شرعاً، وطال هذا الرفض علماء فلسطينيين وامتد أيضاً إلى حركات جهادية فلسطينية، و رجح هذا الرفض إلى أنّ الحصول على تأشيرة دخول منهم تدعم فعل التطبيع وهذا يعني دخول المسلم فيما حرمه أغلب جمهور العلماء، بالإضافة إلى الدعم المادي الذي يقدمه طالب تأشيرة الدخول و ما يدفعه من رسوم للحصول على التأشيرة. فالدخول الحقيقي والشرعي إلى بيت المقدس هو دخول المجاهدين الفاتحين وغير ذلك من أنواع الدخول هو تطبيع و رضوخ لأوامر الاحتلال.
ثانياً: التأييد
- قد يرى المجيزون أو المؤيدون لهذا النوع من الزيارات أنّه دعماً معنوياً لإخواننا في فلسطين وأخص بالذكر أهل القدس الشريف، لأن زيارة العرب والمسلمين لهم ترفع من معنوياتهم و تزيد من صمودهم و رباطة جأشهم، بالإضافة أنّهم في أمس الحاجة إلى زيادة الأعداد والحشود ليصمدوا أمام العدو الصهيوني و يؤكدوا أنّ العرب لم ولن ينسوا أن القدس هي أرض عربية و أنّ عودتها للعرب هي مسألة وقت ليس أكثر.
- إنّ تعدد و زيادة الزيارات العربية إلى القدس الشريف تجعلها قضية متداولة إعلامياً أمام العالم لإثبات الأحقية العربية لها، و هذا الأسلوب يعتبره الكثير أسلوب جديد في بداية مشروع تحرير الأقصى، فهذا المنطق من المطالبات بالحق هو منطق فعال لمن يعرف كيف يستعمله، و القارئ في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي يعرف جيداً أهمية هذا الأسلوب وكيف أنّ الصهاينة أنفسهم كانوا ومازالوا يجمعون الحشود اليهودية من جميع أنحاء العالم لإثبات حقهم في الأرض الفلسطينية. هذا النوع من الزيارات لا يعني بالضرورة الاعتراف بدولة إسرائيل بل كل ما في الأمر هو عبارة عن تصريح دخول لتحقيق مصلحة أكبر وهي حماية المسجد الأقصى من كل أعمال التخريب و تغيير المعالم و أيضاً سيزيد أعداد المسلمين فيها.
- المتابع للقضية الفلسطينية يرى دور الحركات و الجمعيات الحقوقية العالمية في الذهاب إلى القدس والاصطدام مباشرةً مع قوات الاحتلال و التنديد والتنكيل بالأفعال الإجرامية، وفي المقابل لا نجد حركات عربية تقوم بنفس ما يفعله الأجانب الذين لا ينتمون بأي حال من الأحوال إلى فلسطين أو العرب من الأساس، كل مافي الأمر هو إيمانهم الكامل بأن الأرض هي حق فلسطيني و لإيمانهم أيضاً بأن في هذه الأرض حقوقاً قد انتهكت و دماءً قد أسيلت.
تجربتي الشخصية في دراسة الصراع العربي الإسرائيلي مكنتني من مقابلة طلاب من جميع الأطراف و أقصد هنا بالطرف الفلسطيني والإسرائيلي، و كنت أستشف شعور الفلسطينيين بالتجاهل العربي لقضيتهم لأنها أصبحت من المسلمات أو من الأمور المفروضة على العرب خصوصاً الأجيال الشابة، فالشاب العربي يعرف أن هناك احتلالاً إسرائيلياً ولكن لا يعرف حيثياته ومدى أثره السلبي والدموي على الفلسطينيين، أنا لا اقصد هنا أن زيارة القدس فقط هي التي ستنمّي حس ” التحرير ” لدى المواطن العربي و لكن شعور الشباب العربي أن القدس شيء قريب منهم يتفاعلون معه و يتفاعل معهم هو ما سيبقي هذه الروح و هذه العزيمة في اشتعال مستمر إلى أن يشاء الله و يحين بموعد النصر المؤزر. في المقابل هذا التجاهل العربي يصب بالتأكيد في صالح الطرف الإسرائيلي فهو لا يهمه التحريم أو التحليل في مسألة زيارة القدس على قدر ما يهمه عزل هذه المنطقة من ذاكرة العرب كما نجح نسبياً في عزلها من ذاكرة العالم، إذ أنّ اسم ” فلسطين ” غير موجود على الخرائط العالمية، وهذا الانتزاع الصوري أدّى إلى نسيان الأجيال الجديدة بأن هناك دولة قد أُحتلّت احتلالاً بربرياً و كل ما يعرفونه هو دولة إسرائيل الحديثة المزدهرة الديموقراطية المناضلة من أجل اكتساب حقوقها المسلوبة.
- أثناء دراستي بأميركا كنت أشعر بالغبن والشؤم كلما وجدت إعلان عن رحلات ستقوم بها الجامعة إلى تل أبيب والقدس، و كنت أجد إقبال كبير من الطلبة على هذه الرحلة خصوصاً لما تقدمه إسرائيل من تسهيلات و برامج تاريخية ترفيهية، بل و حتى نبذة عن نمو الاقتصاد الإسرائيلي و خلق فرص عمل و استثمار لزيادة الإقبال العالمي على المنطقة. و كنت أتساءل، من الأحقّ بزيارة هذه الأرض الطاهرة ؟؟؟

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions