للأعلى
14-مايو-2012

علامات على الطريق – المخادعون بقلم يحيي رباح

تابعت باهتمام كبير الصخب الذي أثير حول دعوة الرئيس أبو مازن للعرب والمسلمين، لزيارة القدس، من استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد قال في هذا الصدد كلمات موجزة ولكنها واضحة وحازمة وقاطعة كحد السيف «بأن زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان، بل تعني بكل المعاني التطبيع مع السجين والوفاء له ونصرته.

تابعت باهتمام كبير الصخب الذي أثير حول دعوة الرئيس أبو مازن للعرب والمسلمين، لزيارة القدس، من استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد قال في هذا الصدد كلمات موجزة ولكنها واضحة وحازمة وقاطعة كحد السيف «بأن زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان، بل تعني بكل المعاني التطبيع مع السجين والوفاء له ونصرته. وبطبيعة الحال، فإن القدس لؤلؤة عصورنا، وزهو عقيدتنا، ومعجزة رسولنا العظيم في إسرائه ومعراجه، ورمز ميراثنا الحضاري، هي الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكانت قبل ذلك تحت الاحتلال البريطاني، ومن قبله تحت الاحتلال الصليبي الفرنجي في زمن الحروب الصليبية، وتحت الاحتلال الروماني !!!

   وعبر كل تلك الوقائع والأحداث والحقب لم يفت أحد بتحريم زيارتها، إلا في هذا الزمن الرديء المتهالك، حيث المتاجرون بالقدس، المتعيشون على قدسيتها ودمها ودموعها وعذابها، يريدونها أن تظل هناك، مرمية وراء السياج، وراء الذاكرة العملية، وراء التماس اليومي، من أجل أن يتاح لهؤلاء التجار والسماسرة والغشاشين والمخادعين، أن يتعيشوا على حسابها وعلى قفاها، فباسم رفض التطبيع يأكلون ويشربون ويشكلون جمعيات ومؤتمرات وندوات، بل إن بعضهم شكل جيوشا، ويحصلون على ما يستطيعون الحصول عليه ، وإلا بربكم فلماذا هم نحتوا بعض المصطلحات مثل مصطلح القدس وقف عربي ، ثم مصطلح القدس وقف إسلامي ، ثم مصطلح تحريم زيارة القدس، ثم مصطلح عدم التطبيع ويشهد الله أنهم أول المطبعين وأدناهم قدرا !!!هل كل ذلك من أجل تحرير القدس، أو من أجل نصرة القدس، أو من أجل تجريد الجيوش الجرارة لتحريرها؟ لا والله، ليس الأمر كذلك مطلقا، بل لمجرد أن يظل هؤلاء المخادعون وحدهم الذين يبيعون ويشترون، بينما القدس تتآكل، وتعاني، وتتألم، تحت قبضة الاحتلال وتحت برامج التهويد، ولا من ولي ولا من نصير .

   في الفترة الأخيرة: حدث في جوف هذه الأمة تطور شجاع جدا، تمثل في زيارة بعض الرجال الأعلام في الأمة، الذين لهم من العلم بالدين والقرآن والسنة ما ليس عند غيرهم من المنافقين والأدعياء، ووهبهم الله من الشجاعة ما ليس عند الجبناء المستوعبين بالمطلق في اللعبة الصهيونية اليهودية الإسرائيلية. من بين هؤلاء الرجال، الداعية الإسلامي اللامع القادم من عمق بلاد النصرة الإسلامية ومن جذور العروبة العريقة في حضرموت في اليمن، وهو الداعية الحبيب علي الجفري، أما الرجل الثاني فهو من أعلام الاجتهاد الإسلامي، من بلد الايمان الأول، مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، حيث قام الرجلان بخطوة للقفز فوق السياج ومداهمته ليعرف العالم من هم الذين يختبئون وراء ذلك السياج من المخادعين والتجار وصغار اللصوص الذين ينهشون لحم القضايا المقدسة.

   وبسبب هذه الزيارات فقد أثير في المحافل العربية على وجه الخصوص غبار كثيف كاد يحجب الرؤية، ولقد كتبت عن الرجلين والزيارتين، وقلت ان من هاجموا الرجلين في المحافل العربية، هم جميعا ممن لا تؤخذ لهم شهادة، فهم جميعا ينتمون إلى أحزاب أو جماعات أو شلل منحازة، مبرمجة، تنضح كل يوم باللامصداقية، لا عهد لهم ولا وفاء، وبالتالي فإن هجومهم على الرجلين العلمين منحهما مصداقية إضافية، وجعلهما أكثر اشعاعا في ربوع العالم العربي والإسلامي.

الذي أثار سخطي وازدرائي، هو أن بعض الفلسطينيين من الذين يعيشون مثلي تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذين ليس لهم في الفقه وصحيح الدين وأصول التوحيد أي قدر من المعرفة، انخرطوا مع بقية المتنطعين في الجوقات الغبية، وادلو بدلوهم في الهجوم على الرجلين، فإذا بهم ينضحون بالنفاق والرياء ليس إلا .لا أعرف كيف يتأتى لفلسطيني أن ينفخ أشداقه غضبا بدعوى أن عربيا مسلما يزور القدس ويختم جواز سفره من الاحتلال الإسرائيلي – مع أن الداعية الحبيب علي الجفري والمفتي الدكتور علي جمعة لم يحدث معهما ذلك – فيصرخون يا للهول ويا للويل ويا للثبور .

   أريد أن أتساءل: هل هناك أحد في الوطن العربي أكثر شرفا أو نضالا أو إيمانا من أي مقدسي يعيش في القدس, ويصمد في القدس, ويدافع عن شرف الأمة ودينها وميراثها من خلال تشبثه بالقدس؟ مع أنه يتشبث ببطاقة الهوية الزرقاء, وهي هوية نصف إسرائيلية, وليس للاحتلال الإسرائيلي من شغل شاغل سوى تجريد المقدسي من هذه الهوية نصف الإسرائيلية؟

   وهل هناك في الأمة من أقصاها إلى أقصاها, من أهدى لفلسطين وللقدس حقها, وحفظ لها مجدها, وخلدها بمعانيها الراقية, أكثر من توفيق زياد, وسميح القاسم, واميل حبيبي, ومحمود درويش والشيخ رائد صلاح, الذين يحملون رغما عنهم الجنسية الإسرائيلية, ولكنهم كانوا وما زالوا رموز العطاء والوفاء الحقيقيين للعروبة والإسلام من خلال وفائهم لفلسطين؟

   وما هو حكم الملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة وقطاع غزة فيتنقلون عبر الحواجز والبوابات ونقاط التفتيش الإسرائيلية, ويدخلون ويخرجون بتصاريح وموافقات إسرائيلية, فهل أحد غيرهم يحفظ للقضية بقاءها, ويحفظ للقدس من الاشتباك؟ ما هذه التفاهة المقززة, حين يسخر فلسطيني, ويحذر ويتبرأ من زائر عربي أو مسلم للقدس, جاءها لنصرتها, حتى لو وضعوا على جواز سفره الختم الإسرائيلي؟

   هل هكذا تقاس الأمور يا أيها البعض القليل الأحمق من الفلسطينيين البائسين؟ وهل معنى ذلك أنكم تحتقرون أنفسكم وأهلكم, وشهداءكم الخالدين وأسراكم البواسل, لأنه تسري عليهم بعض الاجراءات الإسرائيلية؟ مع أن بعضكم على استعداد أن يبيع أمه وأبيه لقاء أن يكون معه أي جواز سفر أجنبي, فكيف تسقطون في النفاق إلى هذا الحد البائس؟

كل من يؤمن بالقدس فهو شجاع وفارس عربي وإسلامي وانساني حتى ولو زارها ووصل إليها ولو على جناح أحد العفاريت? وكل عاجز منكفئ على أوهامه لا يساعد القدس, ولا ينجدها, ولا ينصرها, فهو ملعون حتى لو امتلأ فمه بالشعارات الكبيرة لكي يصرخ بها كالمجانين !!!

    إن زيارة القدس هي إحياء شجاع لعاصمة فلسطين, وهو إحياء شجاع للعقيدة الإسلامية, وهو فهم صحيح لعبقرية الإسلام, واختبار حقيقي للوطنية الصادقة, أما العاجزون الذين لا يفعلون شيئا سوى النميمة والبكاء ولطم الخدود, لعلهم ترمى في حجورهم صدقة, أو يبتلعون ريقهم بحبة تمر, أو يدعون إلى مؤتمر منافق لكي يدس في جيبهم بعض النقود!! فأولئك هم غثاء السيل, الغثاء كثير, ولكنه يذهب جفاء كما قال رب العاملين, ولا يبقى في ذاكرة الأرض والناس والتاريخ إلى ما ينفع القدس, ويمنحها نبضة من قوة, أو لقمة خبز, أو رشفة ماء.فلعنة الله على المنافقين

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions