للأعلى
06-مايو-2012

زيارة المسجد الأقصى في ظل الاحتلال – دراسة أصولية حنبلية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله ومن والاه . وبعد

فإن مسألة زيارة المسجد الأقصى – عجل الله فرجه – في ظل الاحتلال الإسرائيلي من المسائل التي كثر فيها اللغط والغلط لا سيما في وقتنا هذا فأردت أن أعرض هذه المسألة على معيار الأصول الذي بدونه يكثر الشطط كما هو مشاهد في واقعنا .فأقول مستعينا بالله

إن استحباب زيارة المسجد الأقصى حكم ثابت بالنص والإجماع لذا فهو الأصل ولا يجوز الانتقال عن حكم الأصل إلى حكم آخر إلا بوجود المعارض الذي يقوى على هذه النقلة .وفي الحقيقة فالمانع من الزيارة لا يملك معارضا من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس .إذ أن دليله الذي يعارض به هذا الأصل هو أن هذه الزيارة تؤدي إلى التطبيع مع العدو المحتل .وهذا الاستدلال – إن صح – يمكن تصنيفه أنه من قبيل الاستصلاح لا غير .وعليه فهل يسلم كون المنع من الزيارة مصلحة راجحة ؟وهل هذه المصلحة قد اعتبرها الشارع أم لا ؟وإن لم يعتبرها فهل هي من قبيل المرسلة التي لم يشهد لها الشارع باعتبار أو إلغاء أم من قبيل ما ألغاه الشارع مع علمه به ؟

أولها : يقول المانع من الزيارة : إن هذه الزيارة فيها مصلحة وهي منع التطبيع مع العدو المحتل لأن زيارتك للقدس بإذن العدو المتمثل في التأشيرة وغيرها يعد اعترافا بملكهم للمحل المأذون فيه وإقرارا لاحتلالهم .قلت : الممنوع شرعا إقرار المحتل على احتلاله وكذا الرضا بذلك ولا نسلم أن الحصول على إذن العدو في دخول أرضنا المحتلة يلزم منه الرضا باحتلاله أو الإقرار له بذلك وإلا لكان النبي صلى الله عليه وسلم راضيا باحتلال العدو الكافر لمكة عندما دخل بإذنهم لأداء العمرة
وفي كون هذا المنع مصلحة معارض بمفسدة بل مفاسد منها
- قلة المصلين والعمار في هذا البيت المقدس مما يؤدي لهجره
- ضعف اتصال الأمة وأجيالها بهذا البيت لأن البعد يورث الجفاء وهو ملموس واقعنا فأين شباب الأمة اليوم وكبارها وصغارها من الانتهاكات المتواصلة والمتصاعدة في هذا الحرم الشريف .
- قلة المصلين ووحدة وجهتهم – أي كونهم فلسطينيين فقط – يقوي مشروع المحتل في عزل الأقصى عن المسلمين وهدمه لا سيما مع تعمده زيادة وفود اليهود لزيارة هذه البقعة المقدسة . كما أنه يلزم من هذا القول تعطيل الصلاة في المسجد الأقصى لأن الزائر الفلسطيني لا يدخله إلا بموافقة إسرائيلية فالمعنى الموجود هنا هو الموجود في منعه لغير أهل البلد فإما ألا يفرق بينهما فيقع في المحظور أو لا فيتناقض.

ثانيها : إن سلمنا أنها مصلحة راجحة فهل اعتبرها الشارع ؟ قلت : إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الأقصى في رحلة الإسراء والمعراج وحثه على شد الرحال إلى الأقصى وقت احتلال الروم لها كذا دخوله مكة للعمرة والصلاة في الحرم بإذن قريش دليل على أن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع الحكيم بل ألغاها مع علمه بها .وهذا ما سنبحثه في المبحث التالي بإذن الله

ثالثها : هل هذه المصلحة يصح الاحتجاج بها فضلا عن صلاحية المعارضة المؤثرة بنقل الحكم عن الأصل ؟
والجواب : أن الوصف المعلل به في المذهب – كما هو اصطلاح ابن النجار إذ أن غيره خالفه فيه والمضمون واحد – إما ان يكون مؤثرا أو ملائما أو غريبا أو مرسلا .والوصف المرسل وهو المصلحة المرسلة إما أن يكون ملائما أو غريبا أو ثبت إلغاؤه .فأما الملائم فليس بحجة في المذهب وأما الغريب فليس بحجة عند الجمهور وأما الذي ثبت إلغاؤه فليس بحجة إجماعا .وعلى هذا فالوصف المذكور هو من قبيل ما ثبت إلغاؤه عند التحقيق . ولكن مع التنزل والافتراض بأنه وصف مرسل ملائم بأن اعتبر الشارع جنسه البعيد في جنس الحكم فالمذهب على أنه ليس بحجة. قال ابن النجار في الكوكب ( 101) : ( وإن اعتبر الشارع جنسه البعيد في جنس الحكم فمرسل ملائم وليس بحجة وإلا فمرسل غريب أو مرسل ثبت إلغاؤه وهما مردودان )

لو تنزلنا في كون هذا الوصف مصلحة خالية من معارض راجح وفي كونه من قبيل المرسل الذي ثبت إلغاؤه وهو ما يسميه كثير من الأصوليون بالغريب إلى أن هذا الوصف هو من قبيل المصلحة المرسلة . فالمصلحة المرسلة ليست بحجة في المذهب .قال ابن النجار في الكوكب وشرحه (4/169) : ( وليست هذه المصلحة بحجة عند الأكثر خلافا لمالك وبعض الشافعية وتسمى المصلحة المرسلة )وقال ابن قدامة في روضة الناظر ( 170 ) : ( والصحيح أنها ليست بحجة) .وعلى هذا فلا معارض يقوى على النقلة عن حكم الأصل إلى غيره بل نبقى عليه كما بقي عليه سلفنا الصالح لا سيما أيام الاحتلال الصليبي إذ لم ينقل عن أحد منهم منع الصلاة في المسجد الأقصى وتحريم شد الرحل إليه لكونه للعلة المذكورة سابقا . والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions