للأعلى
15-مايو-2012

زيارة القدس بين الواجب والتحريم ..طولكرم : عمر ثابت

تحتل القدس وفلسطين والأقصى مكانة عظيمة عند المسلمين حتى وكأنها أصبحت جزءا من عقيدة المسلمين

تحتل القدس وفلسطين والأقصى مكانة عظيمة عند المسلمين حتى وكأنها أصبحت جزءا من عقيدة المسلمين وذلك لورود النصوص الشرعية من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة فمن القرآن الكريم قوله تعالى : “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ “( الإسراء /1 ) وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام مخاطباً قومه: “يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ”( المائدة /21 ) والأرض المقدسة هي فلسطين وبيت المقدس.

    ووردت آيات تتحدث عن هجرة إبراهيم عليه السلام من العراق إلى فلسطين فقال تعالى:”وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” ( الأنبياء /71 ) والأرض المقصودة هنا هي أرض فلسطين، وفي سيدنا سليمان قال تعالى : “وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” ( الأنبياء /81) فالأرض المباركة هنا هي أرض فلسطين، وأشار القرآن الكريم إلى تحويل قبلة المسلمين الأولى من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في مكة فقال تعالى : “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا” (البقرة /144).

   فالمسجد الأقصى كانت قبلة المسلمين الأولى لستة عشر شهرا قبل تحويلها إلى المسجد الحرام في مكة. ووردت في السنة إشارات كثيرة عن فضل الأرض المقدسة ومن أشهرها قوله عليه الصلاة والسلام : “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى” (رواه البخاري). والمسجد الأقصى ثاني مسجد بني على وجه الأرض بعد المسجد الحرام فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: “يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى – قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ – قَالَ: قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً” (رواه البخاري ومسلم ) ،والمسجد الأقصى مسرى النبي عليه الصلاة والسلام ومعراجه إلى السماء وهو دعوة موسى عليه السلام بأن يدنيه من الأرض المقدسة. وجاءت أحاديث كثيرة تدعو للشام بالبركة كما في الحديث “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا”

   ولقد زار العديد من الصحابة الكرام بيت المقدس ومنهم عمر بن الخطاب صاحب العهدة العمرية في السنة الخامسة عشر للهجرة وأبو عبيدة عامر بن الجراح وأم المؤمنين صفية ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد وأبو ذر الغفاري وأبو الدرداء وسلمان الفارسي وعمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم .ولم تقل أهمية بيت المقدس وفلسطين في قلوب المسلمين ممن جاء بعدهم على مر العصور والأزمان .

    واليوم فلسطين والقدس تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي ومنذ احتلالها تعمل على تغيير معالمها وشطب تاريخها وحضارتها الإسلامية والعربية ودائماً يطالب الرئيس أبو مازن الأمة الإسلامية والعربية زيارة بيت المقدس وذلك للوقوف على ما تقوم به إسرائيل على الأرض ولدعم أهالي فلسطين عامة وأهل القدس خاصة دعما معنوياً ومادياً للبقاء والصمود على أرضها .وهذا الفكر الذي تبناه وزير الأوقاف الدكتور محمود الهباش ودافع عنه وطالب في خطبه وخطاباته العرب والمسلمين في كل أرجاء الدنيا إلى زيارة القدس وفلسطين مستنداً في رأيه إلى النصوص الشرعية التي تؤكد هذه الحقيقة .

   وللأسف نجد هناك من يصدر الفتاوى التي تحرم تلك الزيارة للقدس وهي تحت الاحتلال بحجة أنها نوع من التطبيع مع المحتل وإقرار المحتل على أرض فلسطين فأضلوا الناس في فتواهم فتاهوا بين الحل والتحريم فأقول أن زيارة بيت المقدس والأقصى من أجل الصلاة فيها ومن باب شد الرحال إليها لا شيء في ذلك ولا يوجد شيء من التحريم وللرد على الذين يقولون بالحرمة لهذه الزيارة فنسوق هذه الأدلة للرد عليهم .

1- ورود الأحاديث الشريفة التي تحض المسلمين على زيارتها فعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ افْتِنَا فِي بَيْتِ اْلْمَقْدِسِ، قال: ارْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَر، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلاةً فِيهِ كَالْفِ صَلاةٍ فِي غَيْرِهِ. قُلْتُ: أرَايْتَ إِنْ لَمْ اسْتَطِعْ أَنْ اتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ اتَاهُ.( رواه أبو داود وابن ماجة )

2- وقوله عليه الصلاة والسلام :” لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى” (رواه الشيخان ) فهذان الحديثان لم يفرقا بين وقوعه تحت الاحتلال أو عدمه .

3- قياس زيارة بيت المقدس وهي تحت الاحتلال بعمرة القضاء التي قام بها النبي عليه الصلاة والسلام في السنة السابعة للهجرة قبل فتح مكة وأهلها مشركون وأقام بها ثلاثة أيام فقال المشركون : إنه يقدم إليكم وفد وقد وهنهم حمى يثرب . فلو كانت العمرة ومكة بأيدي المشركين محرمة لما قام بها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولما أقام بها ثلاثة أيام .

4- عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى مكة ودخوله مكة تحت جوار وحماية المطعم بن عدي وأولاده وعندما وصل مكة طاف بالكعبة وأبناء مطعم يحرسونه والمشركون ينظرون إليه فسأل أبو سفيان مطعم : أمجير أم تابع ؟ قال مطعم بن عدي : بل مجير .

5- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن زيارة القدس فأجاب : (( أما السفر إلى بيت المقدس للصلاة فيه والاعتكاف أو القراءة أو الذكر أو الدعاء فمشروع مستحب باتفاق المسلمين .. )) ( مجموع الفتاوى)

6- صدور الفتاوى من علماء مسلمين كعلماء القوقاز وغيرهم بجواز زيارة بيت المقدس وهي تحت الاحتلال ودل عليه قيام مفتي مصر والشيخ اليمني الحبيب الجفري ووفود رفيعة المستوى من الأردن لتطبيق عملي لهذه الفتوى .

7- زيارة القدس فيها تطبيع مع الاحتلال إذا كانت نية الزائر كذلك أما إذا كانت من باب شد الرحال للأقصى والاعتكاف فيه فلا تعتبر تطبيعا فيعود إلى نيته في الزيارة والنوايا لا يعلمها إلا الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام : “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى..

9- ولا يلزم للحصول على تأشيرة الزيارة (الفيزا) ذهاب الزائر بنفسه إلى مقر السفارة وإنما تقوم بها شركات ومكاتب سياحية وعند الوصول إلى الجسر يمكن لوكلاء سياحيون خاصون لإكمال بقية الإجراءات اللازمة للحصول على إذن الدخول والخروج عبر الجسور .

10- زيارته للقدس ولفلسطين فيها دعم معنوي ومادي لأهاليها مما يقويهم ويدعمهم للبقاء والرباط على هذه الأرض وتحمل الإجراءات التعسفية للاحتلال بحق الشعب الفلسطيني .

11- حضورهم ومشاهدتهم لما يجري على أرض الواقع ليس كسماعهم ومشاهدتهم الأخبار عن بعد فالمشاهدة العينية والحسية فيها نوع من الاطمئنان وهذا ما دفع سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما قال تعالى على لسانه : “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي “(البقرة /260) .

12- لو سلمنا أن الزيارة نوع من التطبيع والاعتراف بالمحتل فنسأل : ما حكم زيارة السجين في السجون الإسرائيلية ولا يتم ذلك إلا بعد الحصول على تصريح وإذن لهذه الزيارة فهل هذا تطبيع واعتراف بشرعية المحتل ؟

13- وما حكم من يحصلون على التصاريح للعلاج في المشافي الإسرائيلية هل هم آثمون وما حكم من يحصل على تصريح للعلاج في مشفى المقاصد هل هو آثم كذلك وإذا مات فيها هل يموت آثماً ومرتكباً لحرام ويبعث على ما مات عليه من الإثم والحرام ؟

14- ومن يسافرون عبر المعابر الإسرائيلية سواء كان سفراً عادياً أو لأداء مناسك الحج والعمرة هم آثمون كذلك وهذا ما حصل منذ الاحتلال الإسرائيلي فهل الشعب الفلسطيني آثم من تلك اللحظة حتى الآن ؟

15- وقوع إسرائيل تحت الحرج الشديد من هذه الزيارات فهي بين الرفض والقبول وكلاهما فيه تعرية لوجه إسرائيل الحقيقي وتقبيح صورتها أمام العالم وما قامت به إسرائيل من قمع لوفود التضامن مع شعبنا كشف صورتها الحقيقية ألم تتوتر العلاقة بين تركيا وإسرائيل بعد حادثة سفينة مرمرة التركية وقتل بعض أفرادها ؟ ألم تحدث ضجة كبيرة بعد اعتداء الضابط الكبير على المتضامن الدنماركي في مطار تل أبيب وتم تسريحه من منصبه ؟ وغيرها من الحالات الكثيرة التي تصورها كاميرات المتضامنين ويبثونها عبر العالم وتؤدي إلى تقبيح صورة اليهود أمام العالم وذلك مصداقا لقوله تعالى : “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ” ( الإسراء /7)

16- وغياب الشعوب الإسلامية والعربية وترك الفلسطينيين وحدهم يقاومون المحتل فيه دفعة قوية للمحتل للقيام بكل ما يريده من هدم وتنكيل وتغيير معالم القدس وشطب الأسماء العربية بأسماء عبرية ومع مرور الأيام لن يبقى أي مظهر إسلامي وعربي في القدس الشريف ، وخاصة أنهم يعملون ومنذ سنوات لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه .

   وأخيرا نقول لمن يصدرون الفتاوى بتحريم زيارة القدس الأولى بهم أن يصدروا الفتوى بتحريم تواجد القواعد العسكرية الأمريكية على أراضي الدول العربية التي ينطلقون منها لقتل العرب والمسلمين ؟ فليتقوا الله في فلسطين وليتقوا الله في القدس وليتقوا الله في الأقصى وليصدروا الفتاوى الداعية إلى تحريره من الاحتلال ونقول لهم ما قاله عبد الله بن المبارك للفضيل بن عياض: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خليله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب.

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions