للأعلى
15-مايو-2012

القدس في الحضارة الإٍسلامية (3) بين الفرس والروم للإمام العلامة مفتي الديار المصرية

خرج سيدنا موسى عليه السلام بقومه من بنى إسرائيل من مصر بعد أن أظهره الله على فرعون وملئه فأغرقهم في البحر، وجاز بهم صحراء سيناء نحو الأرض المقدسة، وقال لهم:

خرج سيدنا موسى عليه السلام بقومه من بنى إسرائيل من مصر بعد أن أظهره الله على فرعون وملئه فأغرقهم في البحر، وجاز بهم صحراء سيناء نحو الأرض المقدسة، وقال لهم: “يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ” [المائدة: 21]، إلا أنهم رفضوا جبنًا وخوفًا؛ فقضى الله عز وجل أن يتيهوا في الصحراء أربعين عامًا، قال تعالي: “فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ” [المائدة: 26]، وخلال هذه الأعوام الأربعين ظلوا تائهين في الصحراء حتى أخرجهم الله منها.

   وجاء سيدنا داود عليه السلام ملكًا على القدس بعد أن استتب الحكم لبنى إسرائيل في المدينة، وبعد سيدنا داود تولى سيدنا سليمان مقاليد الحكم، وقام ببناء المسجد الأقصى عام 950 قبل الميلاد كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو يرفعه:”أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثَةً: سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ “[سنن النسائي1- 112]. ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضى الله عنهما يأتي من الحجاز فيدخل فيصلى فيه ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء، مبالغةً منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها، لتصيبه دعوة سليمان عليه السلام.[مجموع فتاوى ابن تيمية 27- 258].

  وبعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام انقسمت مملكة بنى إسرائيل إلى مملكتين ودارت بينهما الحروب الكثيرة. وفى عام 599 ق. م غزا البابليون القدس ودخلها نبوخذ نصر وسبى جميع من فيها وأرسلهم إلى بابل فيما يسمى تاريخيًّا بـ«السبى البابلي». وعندما تولى قورش عرش فارس تزوج من يهودية، فتنفس اليهود الصعداء، وبطلب من زوجته أذن لمن شاء منهم بالعودة إلى القدس، وسمح لهم بتجديد الهيكل وبناء المدينة، إلا أنه لم يمكنهم من بناء سور لها، ولم يتمكنوا من بناء سور لها إلا في عهد دارا عام 445 ق. م.

  وفى عام 332 ق. م احتل الفاتح المقدوني الإسكندر الأكبر القدس، فدخلها ناويًا تدميرها وقتل من فيها، إلا أن اليهود هرعوا لاستقباله خارج المدينة يتقدمهم الشيوخ والكهنة طالبين العفو، فسكت عنهم وأقرهم على عاداتهم وأعفاهم من الجزية. وبعد وفاته عانى سكان المدينة الشدائد على يد قواده الذين اقتسموا مملكته بينهم، ففي عهد بطليموس دك حصون المدينة وبطش بسكانها وأرسل منهم مائة ألف أسرى إلى مصر عام 320 ق. م.

   وفى العهد البيزنطي تنفس النصارى الصعداء، لأن قسطنطين تولى عرش الأباطرة، ولم يسمح لهم ببناء الكنائس فقط والانتشار في مملكته، بل تنصر هو نفسه، ولم يمض وقت طويل حتى زارت أمه هيلانة القدس وقامت ببناء كنيسة القيامة (335 م) وخربت البناء الذى كان على الصخرة، وجعلتها مطرحًا لقمامات البلد عنادًا لليهود، وفرض قسطنطين على اليهود أن يتنصروا، فتنصر فريق منهم ومن لم يتنصر قتل أو غادر البلاد. [صبح الأعشي4- 101].

  ولما اعتلى جوليان الجاحد عرش بيزنطة (360 م) ألغى اضطهاد اليهود، وأمر بإعادة بناء الهيكل، إلا أن الأمر لم يتم، وبعد وفاته عام 451م انقسمت الكنيسة إلى شرقية وغربية وكانت كنيسة القدس تتبع الكنيسة الغربية، وعندما تولى جوستانيان الحكم بنى كنيسة العذراء فى موضع المسجد الأقصى الحالي. [تاريخ القدس ص38].  وفى عهد هرقل (610- 614م) دب الضعف في الدولة البيزنطية فلم يستطع الوقوف في وجه كسرى الذى أرسل جيوشه فاحتل القدس (614م) وذبح من سكانها تسعين ألفاً، وساعدهم اليهود في محاربة النصارى وتخريب كنائسهم، وأقبلوا نحو الفرس من طبرية وجبل الجليل وقرية الناصرة ومدينة صور وبلاد القدس، فنالوا من النصارى كل منال، وأعظموا النكاية فيهم، وخربوا لهم كنيستين بالقدس، وحرقوا أماكنهم، وأخذوا قطعة من عود الصليب، وأسروا بطريرك القدس وكثيرًا من أصحابه، إلا أن هرقل جمع شتات جيشه في عام 627م، فغلب الفرس بحيلة دبرها على كسرى حتى رحل عنهم، ثم سار من قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر ويجدّد ما خرّبه الفرس منها، ودخل هرقل القدس عام 629م حاملاً على كتفه خشبة الصليب التي استردها من الفرس وانتقم من اليهود على فعلتهم، فراح يقتل منهم المئات. [المواعظ والاعتبار 3- 271- 273].

   هذه الوقائع بين الروم والفرس، لخصها القرآن الكريم على وجه الإجمال، فقال تعالي: “الـم .غُلِبَتِ الرُّومُ .فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ” (الروم:1- 3).

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions