للأعلى
15-مايو-2012

القدس في الحضارة الإٍسلامية (2) المكانة والتاريخ للإمام العلامة مفتي الديار المصرية

تعد القدس من أقدم مدن الأرض عبر التاريخ؛ فقد هدمت وأعيد بناؤها أكثر من ثماني عشرة مرة في التاريخ، وترجع نشأتها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد؛ أسسها العرب اليبوسيون الذين نشأوا في صميم الجزيرة العربية، ونزحوا مع من نزح من العرب، وبنوا مدينة القدس وأطلقوا عليها اسم مدينة «السلام».

تعد القدس من أقدم مدن الأرض عبر التاريخ؛ فقد هدمت وأعيد بناؤها أكثر من ثماني عشرة مرة في التاريخ، وترجع نشأتها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد؛ أسسها العرب اليبوسيون الذين نشأوا في صميم الجزيرة العربية، ونزحوا مع من نزح من العرب، وبنوا مدينة القدس وأطلقوا عليها اسم مدينة «السلام».

    ويعتقد المؤرخون أن أصل جميع سكان قطاع القدس يرجع إلى أصل كنعاني، وأن لغتهم الأصلية كانت الكنعانية، ومع الفتح البابلي انضمت اللغة الفارسية إليها كلغة رسمية، وكان الكنعانيون في بادئ الأمر رعاة، ولما استقر بهم الأمر في فلسطين سميت باسمهم «كنعان»، وقد أجمع المؤرخون على أن أول آثار عرفت في فلسطين كانت لهم؛ حيث كانوا أول ساكني فلسطين بعد نزوحهم من شبه الجزيرة العربية.

    ولا شك في أن القدس إسلامية الأصل؛ فقد أرسل الله عز وجل جميع الأنبياء بدين واحد وهو الإسلام، قال تعالي:” إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ “[آل عمران:19]؛ فالإسلام هو الدين الأول؛ فإنه لما أرسل الله عز وجل نوحاً عليه السلام أرسله بالإسلام ديناً خالصاً، قال سبحانه على لسان نوح: “فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [يونس:72]، وقال أيضاً: “وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” [البقرة: 132]، وعن لوط عليه السلام قال :”فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [الذاريات: 36].

    والمسجد الأقصى هو أقدم المساجد التي عمرت لعبادة الله وحده بعد المسجد الحرام؛ ولذا كثر تردد الأنبياء جميعاً عليه وصلاتهم فيه؛ فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: “بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته، وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك” [الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل 1-239]. وعند الحديث عن بناء المسجد الأقصى نجد أن هذه المسألة شغلت العلماء والمؤرخين المسلمين كثيراً؛ حيث اختلف فيمن أقام بناءه الأول: فالرأي الأول: أن آدم عليه السلام هو الذى أسس كلا المسجدين، ذكر ذلك العلامة ابن الجوزي، ومال إلى ترجيح هذا الرأي الحافظ ابن حجر في الفتح، واستدل له بما ذكره ابن هشام في كتاب «التيجان» أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه فبناه ونسك فيه، وهذا القول أثبت ـ كما قال الحافظ في الفتح ـ وعليه فإن الذى أسس المسجد الأقصى هو آدم نفسه أو أحد أبنائه؛ لأن المدة الفاصلة بين المسجدين أربعون سنة فقط.[فتح الباري 6-409].

   الثاني: أن الخليل إبراهيم عليه السلام هو الذى أسس المسجد؛ لأن بناءه للمسجد الحرام مشهور بنص القرآن، وإذا ثبت بالنص أنه بنى الكعبة، فإن بناءه للمسجد الأقصى محتمل راجح لقرب العهد بين المسجدين، وممن نصر هذا القول الشيخ ابن تيمية حيث قال: “والمسجد الأقصى صلت فيه الأنبياء من عهد الخليل” [مجموع الفتاوى 27-258]، وفى موضع آخر قال: “فالمسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام”[مجموع الفتاوي27-251].

   وقد أكد أحد الباحثين المتخصصين في الهندسة على وجود تشابه هندسي تام بين بناء الكعبة المشرفة وبناء المسجد الأقصى المبارك، وباستخدام برامج هندسية ثلاثية الأبعاد وبإهمال المساحتين المختلفتين للكعبة والمسجد الأقصى وضح الباحث بالخرائط والصور تطابقا تاماً في زوايا البناءين الأربع؛ مما يدعم بمزيد من الأدلة العلمية فرضية بناء آدم عليه السلام للمسجدين، وتحديد حدودهما بوحى من الله عز وجل، وهى الحدود التي مازال المسجد الأقصى يحتفظ بها حتى يومنا هذا. (مجلة دراسات بيت المقدس، عدد عام 2000م).

   وحيث إن أصل رسالة كل نبي هو الإسلام، فاللازم لذلك أن المسجد الأقصى إسلامي النشأة؛ والأنبياء أبناء علات دينهم واحد وقد تختلف شرائعهم، ولا يكتمل إيمان أحد إلا إذا آمن بجميع رسل الله وكتبه، قال تعالي: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ”[البقرة: 285].

      وقد عزز إسلامية القدس أنها كانت القبلة الأولى للمسلمين؛ فقد استمر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه نحو ستة عشر شهراً يتجهون إلى بيت القدس في صلاتهم؛ حتى جاء الأمر بتحويلها إلى بيت الحرام بقوله تعالي: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ”[البقرة: 144] ونقل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة لم يغير مكانة القدس بين المقدسات الإسلامية إذ ظلت كما هي أولى القبلتين وثالث الحرمين بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفى مسجدي هذا بألف صلاة، وفى بيت القدس بخمسمائة صلاة. [مجمع الزوائد 4-7].

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions