للأعلى
16-سبتمبر-2009

مقاصد مطالعة السيرة النبوية

    حدد الحبيب علي الجفري أربعة مقاصد أساسية من مطالعة السيرة النبوية العاطرة على صاحبها أزكى الصلوات والتسليمات، وذلك في المحاضرة التي ألقاها فضيلته بقاعة الظفرة بالمجمع الثقافي ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرضالإسلام عقيدة وعبادةليلة 27 رمضان 1430 هـ الموافق 16 سبتمبر/ أب 2009، والذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث.

    فالمقصد الأول من مطالعة السيرة النبوية هو معرفة رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام، لأن اكتمال جوانب الجمال والكمال والإحسان يورث القلوب السوية محبة من اجتمعت فيه كل تلك الخصال، ففي السيرة النبوية الزكية نتعرف إلى صاحبها رسولاً ونبياً، وبشراً كاملاً سوياً وأنموذجاً لكمال ورقي البشرية ، ومصلحاً ومعلماً وهادياً ، ورحمة للعالمين، فمن قرأ السيرة  وأدمن مطالعتها استقر في قلبه نصيب وافر من كل تلك الخصال، وبالأخص من  الرحمة في وقت ضجت الأرض واشتكى ساكنوها من القسوة المفرطة وغلظة القلوب وهوان الإنسان على العالمين، حتى لم يعد يدري القاتل فيما قََتَل ولا المقول فيما قُتِل.

    مع التذكير بأن محبتنا لرسول الله عليه وآله الصلاة السلام ليست من النوافل ولا الزيادات، بل هي جوهر الإيمان ومقياسه، ولكم في قوله صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر، “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ عِنْدَهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ” ( أحمد 4/233(18211) و4/336(19169)و قوله:” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ“( البخاري، بَابٌ حُبُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ) ؛ ما يؤكد تعلق الأمر  برسوخ الإيمان وكماله وتمامه.

    ويتصل المقصد الثاني من مطالعة السيرة النبويةفي كلمة الحبيب علي الجفري بالمجمع الثقافيبتحقيق معنى صلاتنا بالله عز وجل، والتي لا تتيسر للمؤمن إلا من باب دلالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رب العزة، مصداقاً لقوله تعالى:” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( آل عمران:31)، لنتأمل كيف كان عليه الصلاة والسلام في محرابه متهجداً تالياً ذاكراً لله عز وجل، ثم سيرته وحاله مع الله تعالى مع مختلف تقلبات الأوضاع والأحاسيس والمشاعر والانفعالات البشرية.

    فمن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام حال موت ابنه إبراهيم عليه السلام تعلمنا أن حالنا مع الله تعالى لا يناقض المشاعر البشرية ولا يصادرها، وأن علينا أن نتساءل هل يحملنا الحزن على الرجوع إلى الله تعالى أم السخط على القدر؟ إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ( البخاري، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ )، وفي رواية ابن ماجةلَوْلاَ أَنَّهُ وَعْدٌ صَادِقٌ وَمَوْعُودٌ جَامِعٌ ، وَأَنَّ الآخِرَ تَابِعٌ لِلأَوَّلِ ، لَوَجَدْنَا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَفْضَلَ مِمَّا وَجَدْنَا ، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ“.

     وكذلك بتأمل تعامل الرسول عليه وآله الصلاة والسلام مع مشاعر الفرح وسماحه لصبيان الحبشة أن يزفنون ويرقصون ويغنون في مسجده الشريف،لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ( أحمد 6/233 برقم 26004).وقس على ذلك سائر المشاعر والتعاملات الإنسانية.

    أما المقصد الثالث من مطالعة السيرة النبوية فالحاجة إلى أن نعرف كيف نتعامل مع العالم المحيط بنا، فالسيرة النبوية العاطرة ليست مجرد أخبار وقصص بل منهج حياة ينبغي أن يكون هادياً لنا في كل تعاملاتنا مع أزواجنا وأبنائنا وخدمنا وأصدقائنا وكل ما و من يحيط بنا من دوائر وصلات تعامل مع البشر والشجر والحجر.

    ولكم في وصف السيدة عائشة رضي الله عنها لواقع وجود الحبيب في بيته:” كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ” ( البخاري، بَابُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ)،وقول سيدنا أنس رضي الله عنه:” خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ لاَ وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ وَلاَ قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلاَّ فَعَلْتَهُ ( أحمد 3/197 برقم 13034)، أنموذجاً لمنهج متكامل في التعامل.

    أما المقصد الرابع والأخير من مطالعة السيرة النبوية العاطرة على صاحبها أزكى الصلاة والتسليم فهو في التذكير بأن لنا رسالة تجاه العالم ككل، فنحن أصحاب رؤية للعالم ولدينا ما يحتاجه ، وهي حاجة ماسة ومتزايدة في عصرنا الراهن إزاء المخاطر التي تواجه البشرية وكوكب الأرض، والتي لا يمكننا الوفاء بها إلا باتخاذ السيرة النبوية نبراساً ومنهجاً للحياة.

    هذا وقد نبه الحبيب علي الجفري إلى قصور المناهج التي تتعامل مع السيرة النبوية من حيث المدى الزمني والأحداث على الفترة من البعثة إلى الممات ، فالسيرة النبوية أوسع مجالاً من ذلك بكثير، وأن بدايتها الحقة والواجب الاعتناء بدراسة السيرة ابتداء منها هي قوله عليه وآله الصلاة والسلام :”كنت نبياًوَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ“( أحمد 5/379 برقم 23212)، أولَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ” ( أحمد 4/127(17281) ولا نهاية للسيرة إذ يقول عليه الصلاة والسلام : حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ، وقوله:” مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ ، إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ( أحمد 2/572 برقم 10815)، ثم ما يتبعها من الشفاعة العظمي يوم القيامة.

    وبعد الإجابة على أسئلة الحضور المميز بقاعة الظفرة بالمجمع الثقافي توجه الحبيب علي الجفري بالتضرع والدعاء الخاشع إلى الله عز وجل في ليلة من ليالي القدر لعام 1430 هـ.، فاللهم بارك لنا في رمضان و سلمنا لرمضان وسلم رمضان منا وتقبله منا وأنت راض عنا.

للاستماع إلى اللقاء

المحاضرة      RM      MP3

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions