للأعلى
09-ديسمبر-2006

لقاء مع صحيفة المصري اليوم

حقق الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري مكانة متتميزة في قلوب الملايين،خاصة عندما كان في مصر، واستطاع تكوين صداقات مع العديد من القيادات والشخصيات المشهورة منها أيمن نور ويسرا، لكنه طرد من مصر لاسباب لا أحد يعلمها.في هذا الحوار، يحكي الجفري تفاصيل مغادرته مصر، ومنعه من الصلاة في مسجد الحسين حين هبطت طائرته ترانزيت في مصر أثناء اتجاهه إلي ليبيا.كما يكشف تفاصيل رفضه العمل بالسياسة علي الرغم من أن والده، نائب رئيس اليمن السابق، أعده ليشاركه في العمل السياسي في اليمن.

ما الذي أضافته لك نشأتك بمدينة تريم باليمن؟

الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم؛

كانت الولادة والنشأة في الحجاز، محل إقامة الأسرة إبان الحكم الشيوعي في جنوب اليمن، حيث نفعني الله بمشايخ من العلماء الربانيين من علماء ومراجع مدرسة تريم المقيمين في السعودية، ومن بقايا المدرسة الحجازية وكذلك المشايخ المترددين على الحرمين من حضرموت ومن مختلف بلدان العالم الإسلامي في مواسم الحج والعمرة. كما نفعني الله بعدد من المشايخ من مصر والشام وغيرها من البلاد.

وكان لمشايخي الأثر الأكبر في ميلي نحو هذا الاتجاه، ابتداءً من أولهم وهي عمة الوالدة الجدة العالمة الربانية الصالحة الشريفة صفية بنت علوي الجفري حيث كانت تقص علي أخبار العلماء والأولياء وأحوالهم مع الله ونفعهم لعباد الله.. و تعمق في النفس أخلاق الأجداد وما كانوا عليه.. كذلك تأثرت بحبها للفقراء وإحسانها إليهم وإيثارها لنفع الناس ولو على حساب راحتها وصحتها.

ثم كان لسيدي الوالد وسيدتي الوالدة الدور الأساسي في ترسيخ القيم والمبادئ في النفس وغرس الاهتمام بنفع الناس والإحسان إليهم على أنه معيار لسعادة الدنيا والآخرة.

ثم جمعني الله في التاسعة من عمري بشيخي الكبير العارف بالله الحبيب عبد القادر السقاف الذي قرأت فيه الشمائل والأخلاق المحمدية قبل قراءتها في الكتب فكان له الأثر الأعمق والأكبر في حياتي ..

وكان هناك مجتمع للمدرسة التريمية الحضرمية في مكة وجدة. فقد كنا نخرج من درس الحبيب عبد القادر، والذي كان مدرسة مجتمعة في رجل، إلى درس الحبيب أحمد مشهور الحداد، عندما كان يأتي من كينيا إلى جدة ليقضي بعض الأشهر بين أولاده ويقابل مريديه من أوروبا وأمريكا وغيرها وكان وقتئذ قد جاوز الثمانين من عمره دون أن تضعف همته بضعف جسده. وقد كان شعوراً مهيبا أن تجلس أمام رجل أسلم على يديه من شرق أفريقيا أكثر من ثلاثمائة ألف في غضون ستين سنة من عمره أمضاها بين مدنها وأدغالها داعياً إلى الله. ثم نخرج من عنده إلى بحر العلم المتلاطم الأستاذ الحبيب محمد الشاطري الذي ينثر درر الفقه والأدب والتاريخ في دروسه، لنعرّج بعد ذلك على شيخنا العالم الرباني العارف بالله الحبيب أبي بكر بن عبد الله الحبشي في خلوته التي يتنسك فيها، فتهب علينا نسائم القرب من الله وروحانية الذكر وسكينة اليقين. وكنا نذهب في يوم آخر لنستمع إلى الحديث النبوي الشريف في مجلس الشيخ العالم التاجر محمد باشيخ والذي كان لسانه لا يكاد يفتر عن الذكر، ثم نخرج إلى درس الفقيه الأصولي المتبحر العابد الحبيب حامد بن علوي الحداد، فنرى الزهد والعلم والتواضع والمجاهدة تجتمع في إنسان يجلس للدرس محتسباً لله، وكان يتردد في قبول هديتنا ولو كانت قنينة عطر صغيرة خشية أن يقول له الله يوم القيامة قد أخذت من طلبة العلم مقابل تعليمك إياهم، بالرغم من أنه كان يدرسني أحياناً وأنفاسه تتقطع بسبب أزمة الربو في صدره، ولا يقبل اختصار الدرس ويقول دعوني أبلغ فلم يبق لدي وقت وكان قد جاوز السبعين من العمر. وفي يوم آخر نجلس إلى المعمر الرباني المتواضع الذي بلغ المائة من عمره وهو الحبيب عبد الرحمن الكاف حيث قد يمتد المجلس إلى ثلاث ساعات يملي علينا خلالها الدرر من سير العلماء والمشايخ الذين أدركهم وتتلمذ عليهم ومن قبلهم، وذلك بحافظة متّقدة وذهن حاضر، ثم ينصرف بعضنا إلى درس سيدي العلامة المفكر الحبيب أبي بكر المشهور الذي لازمته أربع سنين تعلمت فيها الكثير، وينصرف البعض الآخر إلى درس فقيه تريم في جدة الحبيب يحيى العيدروس، والبعض الآخر إلى الشيخ الفقيه محمد باعطية. وفي مجلس الشيخ المحب لرسول الله حسن شداد باعمر كانت أرواحنا تهيج شوقاً إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مما نسمعه منه. وفي كل أسبوع كنا نذهب إلى محدث الحرمين وعلامة الحجاز السيد محمد بن علوي المالكي الحسني لنحضر درسه في شرح ألفية السيوطي في علم مصطلح الحديث ثم يخصص لنا درساً في شرحه على الورقات في الأصول ودرس في السيرة، وفي عصر الثلاثاء تتروح أرواحنا بحضور مجلس الذكر عند السيد المنصب عبد الله بن حامد البار.. وقد يجتمع بعض هؤلاء في مجلس واحد فنتعلم أدب العلماء مع بعضهم وتواضعهم لبعضهم البعض بل حبهم لبعضهم وتعلمهم من بعضهم.. سبحان الله كانت هذه الأيام كالطيف أو المنام الجميل الذي لا يريد صاحبه أن يستيقظ منه ولم نعرف ما يعانيه مجتمع العلماء والدعاة اليوم من مشاكل إلا بعد فراق أولئك.

ومازلنا على هذه الحال حتى أكرمنا الله بالوحدة اليمنية المباركة فتيسر الخروج إلى اليمن حيث رباط البيضاء العلمي ودروس الحبيب محمد الهدار، ومدرسو الرباط الشيخ عبد الرب الحدي والشيخ عبد الله الخشيبي، والانطلاق الدعوي إلى القرى. ثم كانت العودة إلى الوطن الأم تريم التي كان القلب يعشقها ويشتاقها بل ويعيشها كمدرسة تربى على منهاجها عقلاً وروحاً.

وفي تريم شاهدت واقعاً يختلف كثيراً عن حياة الناس في العالم اليوم، مع أن أهل العلم والصلاح فيها يشتكون أنها تغيرت ولم تعد كما كانت عليه سابقاً… إلا أن الفرق بينها وبين غيرها ظاهر للدرجة التي يلمحها الزائر للوهلة الأولى.

علمتني مدرسة تريم أن الذي يعمل ينبغي أن لا يعيش أسيراً لثناء الناس أو رضاهم عن عمله.. بل ينبغي أن يعمل وهو ينتظر رضوان الله عنه.

علمتني أن لا أعيش أسيراً حتى لنفسي فأستسلم لنشوة أني قد عملت شيئاً.. فإن الموفِّق للعمل هو الله سبحانه.

علمتني أن الإحسان حق لله علي وحق للناس علي وليس تفضلاً مني على غيري.
علمتني أهمية الحفاظ على الأدب مع الأكبر والأعلم والأسبق ولو ظهر شيء من التقدم في مجال أو آخر. بل تعلمت في تريم أن معيار النجاح لا ينفصل عن تعامل الإنسان مع النجاح بعد تحققه أو تحقق جزء منه. فالذي يأسره نجاحه ليس بناجح بل متوهم. والناجح هو الذي يملك النجاح ولا يملكه النجاح. والناجح يكون نجاحه مقدمة لنجاح آخر. وهكذا تتحول النتائج إلى مقدمات.

علمتني تريم أن كثيراً من معايير الحياة التي يستسلم لها الناس اليوم تدريجياً تحتاج إلى إعادة نظر.

تعلمت هناك من رؤية مفتي تريم وفقيهها الشيخ فضل بن عبد الرحمن آل أبي فضل رحمه الله وهو يجلس في آخر المجلس بتواضعه الفطري دون أن يشعر هو أو يحاول أن يُشعر غيره أنه متواضع.. وهو يرى الحق لمن دونه في العلم في أن يتقدم عليه في الجلوس في الصدارة لمجرد كونه أكبر منه سناً أو لصلة قرابة برسول الله أو لكونه ضيفاً على البلد.. الخ.. وعندما يحتار المتصدرون في مسألة في الفقه يتذكرون الشيخ فضل، فيتلفتون بحثاً عنه هل هو موجود ليرجعوا إليه. هذا الرقي في نكران الذات دون تكلف أو حمل في النفس على الغير كان درساً متكرراً رأيته في الشيخ محمد بن علي الخطيب والشيخ محمد بن علي باعوضان والذي استمر إلى وقت قريب وهو يأكل من عمل يده كعامل بناء باليومية مع أنه من كبار فقهاء المذهب الشافعي على مستوى العالم. وأراهما في المناسبات الاجتماعية في أواخر الصفوف لا يكاد الحاضر يشعر بوجودهما. ثم تعلمت من تلميذهما وأستاذي في الفقه الشيخ الفقيه الشاب عمر بن حسين الخطيب كيف يضاف إلى ذلك العطاء بإصرار ومحبة.

تعلمت من رئيس مجلس الفتوى بتريم الحبيب علي المشهور معنى العطاء الذي لا ينضب دون انتظار لمقابل.. فهذا مسجد بني بمعرفته.. ومصلى العيد جُدد كذلك بسعيه.. وتجده ساعياً في حفر بئر في أحد الوديان وفي الإشراف على ترميم للآثار الدينية والحفاظ عليها.. وكذلك في إحياء لدرس وصلح بين متخاصمين وساعة لدرس النساء يخرج منها إلى جنازة يغادرها إلى موقع ترميم لمدرسة.. يعود منها مسرعاً لإدراك درس.. هكذا مرت سنواته في أحلك الظروف وأيسرها.. دون محطة استراحة نسميها نحن إجازة أو عطلة إلا فترة العملية التي أجراها في جدة لتركيب مفاصل اصطناعية لركبتيه اللتين أعياهما سعيه غير المتوقف في نفع الناس.. كل ذلك دون انتظار كلمة شكر.

تعلمت من مدير رباطها العلمي الحبيب سالم الشاطري معنى الإصرار على الاستمرار رغم الظروف فهو المعلم في مدينة عدن، وبعد كسر رجله في حادث مدبَّر أيام الشيوعية يعود إلى تريم ليدرّس في رباط تريم العلمي – الذي أمضى والده فيه خمسين سنة يعلم محتسباً بغير مقابل مادي يذكر- فيسجن شيخنا الحبيب سالم على يد الشيوعيين ويعذب ويخرج من البلد ليقوم بالتعليم في المدينة المنورة وفي البيضاء باليمن، إلى أن تيسرت الوحدة لليمن فيعود ليعلمنا ابن السبعين سنة كيف يكون الإصرار على العمل. فهو يدرّس في رباط تريم العلمي ويحاضر في الجامع الكبير، ولا يبالي بقلب فتح مرتين وبُدلت شرايينه. فهو في رمضان يصلي التراويح مرة بزوجته وبناته عشرين ركعة، ومرة أخرى بطلابه عشرين ركعة يقرأ فيها جزءاً من كتاب الله، ومرة ثالثة عشرين ركعة مأموماً في مسجد القوم بتريم بعد منتصف الليل، ومرة رابعة عشرين ركعة في مسجد الإمام المحضار آخر الليل. هذا في ليلة واحدة، وفي كل ليلة من رمضان.

تعلمت من شيخ تريم وعينها الحبيب عبد الله بن محمد آل شهاب الدين، كيف يكون العالم معلماً وأباً حنوناً ومداوياً لجراح النفوس وساعياً في جبر الخواطر فهو الذي ربما لا يتجاوز عدد الوجبات التي يأكلها مع أسرته ثلاث وجبات ليست في اليوم بل في الشهر.. لماذا لأن هذا الرجل الذي تجاوز السبعين – وقد أدى مهمته الأسرية تجاه أولاده الذين صاروا آباء وأجداداً – يتغدى اليوم عند عامل البناء الذي دعاه بمناسبة مولود جديد رزقه الله إياه.. ويتعشى عند الطبيب الذي لديه منزل جديد يريد أن يفتتحه، ويتناول الإفطار عند المزارع الفقير الذي لديه صباحية ابنته.. وبين هذه المناسبات لديه زيارة مريض وتشييع جنازة أبى أصحابها أن تشيع قبل أن يكون هذا الإمام مصلياً عليها ومتقدماً إياها إلى المثوى الأخير.. وبالطبع لديه درسه ووعظه وحلقة قرآن آخر الليل بمسجده وكذلك بين العشائين .. الخ.

تعلمت من عمال تريم ومزارعيها كيف يكون الجهاد في تحصيل اللقمة الحلال مع عدم إغفال الحاجة إلى العلم والعبادة.. فهناك عدد من مساجد تريم التي يدير حزب التلاوة فيها أناس من عمال تريم ومزارعيها. بل أعرف بعض القرى التي تأسست فيها حلقات ترتيل القرآن على أيدي عمال تريم عندما كانت لهم أعمال فيها.

تعلمت من المرأة في تريم كيف تكون التضحية التي لا تمنع من الاستمرار في العطاء فهي الأم والزوجة والقائمة على المنزل، وهي المزارعة أحيانا أو العاملة في منازل أخرى، وهي العابدة آخر الليل والمتعلمة والمعلمة وهي أيضا المشرفة على ترتيب مصليات النساء التي تكون شبه مسجد مستقل، فالإمام والمأموم والمتعلم والمعلم فيه من النساء.. فزوجة الحبيب عمر ودار الزهراء بطالباتها وفروعها ونشاطاتها الدعوية وبنات الحبيب مشهور وطالباتهن في منزل سيدنا الفقيه …الخ.

هذا بعض ما تعلمته من خلال صحبة شيخي وأستاذي الحبيب المربي عمر بن حفيظ في بلدة تريم الغناء ولولا أن المقام يضيق بالزيادة لواصلت.

بالطبع هذا الوصف الذي قد يراه البعض حالماً لا يعني عدم وجود السلبيات فتريم كغيرها تعاني من سلبيات في المجتمع والأسرة والفرد، ولكن السؤال كان عن الدروس التي استفدتها من تريم.. وربما من الدروس المهمة التي تعلمتها من تريم ألا أجعل السلبيات تحجب الإيجابيات ..وبهذا أستفيد وأرتقي.

اختصار إجابة السؤال الأول:

أضاف انتسابي لمدرسة تريم والنشأة في الحجاز في بيئة علماء هذه المدرسة الكثير مما بصعب إجماله، ولكن من الممكن القول أنها المدرسة الجامعة بين العلم والعمل والدعوة. فالعلم بسنده المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواية ودراية وتزكية، والعمل الجامع بين السلوك الظاهر والمعنى العميق المستقر في الباطن، والدعوة فكراً وجهداً، وكل ذلك ممتزجاً ببعضه دون انفصال. وثمرة هذه المدرسة دخول ما يزيد على ثلث المسلمين اليوم إلى الإسلام سلماً على أيدي شيوخ هذه المدرسة من جنوب شرق آسيا إلى شرق أفريقي

الحبيب علي الجفري هو ابن نائب رئيس اليمن الأسبق الذى طلب منك الانغماس في الميدان السياسي لكنك ابتعدت عن هذا الميدان؛ ما الذي استفدته من والدك ولماذا ابتعدت عن هذا الميدان؟

تعلمت الكثير من مقولة سيدي الوالد الشهيرة “نعم لتدين السياسة ولا لتسييس الدين”

سيدي الوالد علمني الكثير والكثير ولن أكون مبالغاً إن قلت أن بعض المبادىء التي أعيش معنى تبجيلها وتهفو نفسي إليها لم أكن لأعرفها لولا والدي..

سيدي الوالد علمني قيمة الصدق ولو كان ثمنه غالياً..

علمني معنى الوفاء ولو كان مكلفاً..

علمني أن العفو والصفح لا يمكن للحياة أن تستمر بدونهما..

علمني أن انتسابي إلى أسرة ذات علم ووجاهة وقيادة يعني مسؤولية وليس فخراً.. علمني أن الفقراء والمساكين ليسوا بأقل من غيرهم إذا لم يحجبهم الفقر والمسكنة عن إدراك دورهم في الحياة. كما أن الأغنياء والوجهاء ليسوا بأسوأ من غيرهم إذا لم يحجبهم الغنى والجاه عن أداء واجبهم في الحياة.

ومن الدروس التي استفدتها منه حفظه الله قَبوله لعدم مشاركتي له في الميدان السياسي الذي اختاره لأداء دوره في نفع الناس، مع أنه كان يأمل أن أكون معيناً له في هذا الميدان، ولكنه أعطاني حرية الاختيار المسؤولة.

لقد كان يسعى إلى إيجاد شخصية قيادية في ولده أساسها القيم والمبادىء من خلال سرده لتاريخ الأجداد وكفاحه مع الأعمام وأصحابهم ضد المستعمر، وعدم قَبولهم للعروض التي قد تكون مغرية في نظر البعض الذين يعتبرونها فرصاً من الغباء أن تفوّت. ومن خلال حرصه منذ صغري على أن أصحبه في المناسبات المختلفة، وحواره الطويل معي في السيارة ذهاباً وإياباً ليضعني في الصورة حول ما يدور ولماذا اتخذ هذا القرار ولماذا تسامح مع فلان بالرغم من ارتكابه خطأً فادحاً. وكان يحرص على حضوري مجالس القيادات السياسية في مجتمعنا وكذلك القيادات القبلية، مع توضيح للخلفيات المتعلقة بأفرادهم وبالمواضيع المطروحة قبل المجلس، ويناقشني بعد المجلس حول ما دار وقد يسألني عن الموضوع المطروح أمام علية القوم من الحاضرين وهم يسمعون، إما جاداً أو في صورة الممازح، وقد يشجعني على إلقاء كلمة بينهم حول الأمر المطروح. وكان يمضي الوقت الطويل في الإجابة على سؤال عارضٍ ألقيه عليه فيشرح خلفية الموضوع وتطوره.

وقد تعلمت الكثير من مقولة سيدي الوالد الشهيرة “نعم لتدين السياسة ولا لتسييس الدين”

ما رأيك في الربط بين الدعوة إلى الله والسياسة؟

إضافة إلى مقولة سيدي الوالد السابقة: “نعم لتدين السياسة ولا لتسييس الدين”، فالمنهج الذي اطمأن إليه القلب هو السمو بالدعوة الى الله عن الانحصار في الاشتغال بالسياسة وجعل الدعوة إلى الله شاملة وموجهة إلى الجميع من مزارعين وعمال واجتماعيين ومهندسين وأطباء ومحامين وإعلاميين واقتصاديين وسياسيين..الخ، مع مراعاة احترام التخصص. فالدعوة إذا اتجهت إلى منافسةٍ لحاكم أو تاجر أو مثقف لأجل الأخذ بزمام ميدانه تحولت من سماء تظل الجميع ورابط قيمي للجميع إلى بضاعة في سوق العرض والطلب تخضع لتقلبات ذلك السوق. ويجد الخائض لهذا الغمار نفسه أمام مفترق طرق، فإما أن يبيع انتماءه للدعوة في سوقٍ تقوده الأطماع وشهوة السلطة؛ وإما أن يضطر إلى إخفاء صلته بالدعوة أمام العلمنة ليناضل في ساحة لا تعترف للدين بدور في الحياة؛ أو أن يفشل سياسياً فيسارع بالعودة إلى ما تبقى من رصيده الدعوي السابق ليحفظ ماء وجهه أو ليحفظ دينه.

على أن الربط قائم بين الدعوة إلى الله وكل مجالات الحياة ومكوِّنات الوجود، والذي ننأى بمنهجنا عنه هو ممارسة الداعية أو عالم الدين لاحتراف العمل السياسي والتنافس أو الصراع على السلطة طالما هو يزاول المهمة الدعوية والتحدث باسم الدين لأنه في هذه الحالة يبين حكم الله ولا يجوز أن يتحول حكم الله وأوامره ونواهيه إلى أدوات للمنافسة السياسية ومجال للرفض والقبول، أو للتقوّي بها في التنافس على السلطة في مجتمعات مسلمة أو ذات غالبية مسلمة؛ ومن باب أولى أن لا يحدث ذلك أيضاً في مجتمعات يشكل المسلمون فيها أقليات

إذن كيف ترى الترابي وأردوغان والزنداني، وهي نماذج ربطت بين الدعوة إلى الله والسياسة؟

أفضل عدم الخوض في الأشخاص والاكتفاء بطرح المنهج. فلكلٍ اجتهاده الذي يؤجر عليه بحسب إخلاصه؛ مع التحفظ على طوفان الفتاوى الخارجة عن الإجماع والتي تنسب إلى الدكتور حسن الترابي.

نلاحظ عدم تواجدك فى التلفزيون اليمني عكس تواجدك خارج الفضاء اليمني بكثرة. فهل هو مبدأ (لا كرامة لنبي في وطنه)

بحمد الله بث تلفزيون اليمن للفقير إلى الله عدداً من الحلقات وقد طلب المزيد لأجل رمضان الماضي ولولا أن الطلب كان متأخراً بعض الشيء إذ إنني كنت قد التزمت محطات أخرى وكان الوقت ضيقاً لاستجبت. ومن الجدير بالذكر والملاحظة هنا أن غالب الفضائيات الرسمية إلى الآن لم تستوعب أهمية الخطاب الاسلامي، لذلك تجدها تستكثر عليه الأوقات الحية والإعداد والإخراج المتميز فتجعل البرامج الدينية في الأوقات الميتة على خارطة برامجها وتبذل له أضعف الإمكانيات الفن

تفضل أن تكون داعية لا عالماً فما الفرق بينهما من وجهة نظرك؟

أرجو أن أكون طالب علم (ولا يزال الرجل عالماً مادام يطلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل)

هناك أربعة مصطلحات يقع بينها خلط كثير وهي:

* الداعية: وهو من يقوم بدعوة الخلق إلى القرب من الخالق (من امتلأ قلبه بهمِّ وهمة ومهمة تقريب الخلق من الخالق).
* المفتي: وهو من بلغ رتبة الاستنباط (الاجتهاد) وإلا فسيكون ناقل فتوى وقد سمي مفتياً من باب المجاز.
* العالم: وهو المتمكن في علم من العلوم مع حسن نظر في العلوم الأخرى (الذي يعرف غالب الأشياء في علم ويعرف شيئاً من غالب العلوم).
* الواعظ: وهو الذي يخاطب القلوب بالتشويق والترغيب والترهيب مع القصص المؤثرة لتتعظ وترجع إلى الله.

ومصطلح الداعية يشمل كل من أحسن وأتقن وأخلص من الثلاثة. فالمفتي إن أحسن وأتقن وأخلص لابد وأن يكون داعية الى الله؛ والعالم كذلك والواعظ. والفقير إلى الله لست بمفتي وإنما أنقل الفتوى عن المفتين المعتمدين.

وأرجو أن أكون طالب علم (ولا يزال الرجل عالماً مادام يطلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل). كما أرجو أن أكون متعظاً بما يجريه الله على اللسان ولسان الغير من وعظ، لأكون بذلك خادماً للدعوة إلى الله وللدعاة إلى الله.

هل تعتبر امتداداً للمدرسة الدعوية الحضرمية والتي كانت لها مكانتها المعروفة، وما الذي يمكن أن تضيفه لها؟

أرجو أن أكون خادماً للدعوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وقد تعلمت من مدرسة أشياخي بحضرموت أن خدمة الدعوة المحمدية لا تنحصر على مدرسة بعينها بل هي المنهل الذي تستمد منه جميع الاجتهادات الصادقة

لماذا اخترت أن يسبق اسمك الحبيب والذي قد يفسره البعض بالتعالي لأنه لقب السادة في اليمن

لم أختر هذا اللقب ولا غيره بل هو لقب تميز أهل اليمن بتعبيرهم عن محبة أهل البيت من خلال مناداتهم به عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في ما صح عنه (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا آل بيتي لحبي). ولك أن تناديني يا علي أو يا أخ أو يا شيخ أو يا حبيب. المهم أن لا ينادي أحدنا الآخر “يابغيض”. وأعتقد أن هذا التحسس ليس له داعي. نحن بحاجة إلى أن نحب بعضنا أكثر. ولعله من الواضح أن كلمة حبيب تدل على المحبة وليس التعالي.

تقيم كل عام دورات صيفية بدار المصطفى بتريم في اليمن فما الهدف من هذه الدورات وما الذى حققته؟

بحمد الله أسس شيخنا الحبيب عمر بن حفيظ هذه الدورات التي تهدف إلى إيجاد مصدر للوعي الديني الممتزج بالتطبيق وتذوق المعنى، حيث يوفر للمنشغلين بالدراسات المختلفة أو المنغمسين في دوامة الحياة العملية فرصة للاستفادة في العطلة الصيفية من خلال برنامج مكثف يشتمل على دروس علمية وسلوكية متلقاه بسندها المتصل؛ ومن خلال ممارسة تطبيقية للآداب والسنن والعبادات، ومن خلال محاضرات فكرية تؤصل للخطاب الاسلامي وللتعامل الواعي إزاء ما يجري حولنا وعندنا من متغيرات وأحداث. وقد أثبتت جدواها من خلال 12 سنة متتالية كان لها الأثر بفضل الله تعالى في تحسين أحوال العدد الكبير من الملتحقين بها.

تقول إن المذهبية شيء راق وليس خطأً فكيف تفسر الحروب التي قامت وتقوم بسبب سنة وشيعة؟

المذاهب هي مدارس علمية اجتهادية راقية كان لها الدور البارز في إثراء الفقه الاسلامي المستنبط من الشريعة الغراء بموسوعية تمكنه من استيعاب حاجة الزمان والمكان ومتغيراته.. إما من خلال مسائل الفروع المقررة في المذاهب، أو من خلال منهجية الاستنباط الأصولية المعبّر عنها بالاجتهاد في المذهب أو الترجيح فيه. فالإشكال إذاً ليس في المذهبية ولكنه يكمن في البدائل الثلاثة للمذهبية والمطروحة اليوم على ساحتنا وهي:

العصبية المذهبية التي تنفي اجتهادات العلماء في فهم الكتاب والسنة؛ وتعطي للمذهب صفة الحق المطلق الذي يحكم على مخالفه بالباطل المطلق، وهو ما لا يقره أئمة المذاهب أنفسهم؛ وأقوالهم في ذلك معروفة كقول الإمام الشافعي: (رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب).

اللامذهبية والتي تقودنا إلى حالة من الفوضى تبيح لكل من هب ودب أن يفتي ويستنبط من الكتاب والسنة وفق مقاييسه أو قل اللامقاييس بل الأهواء والمصالح الضيقة. واللامذهبية أيضا فتحت باباً للرؤية الضيقة التي جعلت البعض يعطي لفهمه للنص قداسة النص ويتهم من يختلف مع فهمه بأنه خالف الكتاب والسنة. والصواب أن مخالفه خالف فهمه هو للكتاب والسنة ولم يخالف الكتاب والسنة.

إقحام المصالح والمناورات السياسية على ساحة المذهبية وهو تسييس مرفوض للدين يحول التدين – وليست المذهبية وحدها – إلى أتون أو ساحة صراع تستفيد منها الأطراف المتنافسة على ثروات الأمة أو قصعتها المذكورة في الحديث: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها).

وبسبب هذه البدائل الثلاثة أضعفنا وهمَّشنا المرجعيات الدينية الحقيقية الواعية الموثوق بها. ويبقى الناس، في أحيانٍ كثيرة، فريسة لبعض المرجعيات التي يفرزها واقعنا المريض. ولعل في هذا ما يفسر الصراع الشيعي السني في العراق، فالاثنى عشرية الأصيلة لا تقر (ولاية الفقيه) – فيما أعلم – والتي كانت منطلقاً للتوسع الشيعي السياسي وبالتالي المذهبي في الصراع. وكذلك السنة في رؤيتهم الأصيلة لا يجيزون بجمهورهم تكفير المسلم شيعياً كان أو إباضياً أو ظاهرياً لمجرد طائفته. والتكفير كما هو معلوم كان ولا يزال وقود هذه الفتنة. إذاً لم يكن الإشكال إشكالاً مذهبياً أو طائفياً ولكنه كان إشكالاً ناتجاً عن انسلاخ البعض عن المذهبية أو مخالفته للأصول العلمية التي جاءت بها المذ

كيف تفسر الهجوم الذي قادته العديد من الدول العربية ضد حسن نصر الله وحزب الله باعتبار أنهم شيعة؟

بالرغم من أني لم أسمع أن دولاً عربية ربطت هجومها بالطائفية، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن الموقف هنا يتعلق بمواجهة المعتدي فلا مجال للتمايز الطائفي قط. ومن كانت لديه وجهة نظر تتعلق بالظرف أو المرحلة أو الموقف فله أن يبديها دون الخلط بينها وبين الطائفية، ففي كل طائفة يوجد المخلص والخائن، ويوجد المعتدل والمتطرف، كما أن الإرهاب لا دين له ولا طائفة ولا عرق ولا بلد. وأمام العدوان الإسرائيلي نحن معاشر السنة والشيعة والإباضية بمذاهبهم يجب أن نكون صفاً واحداً، وإن أي إقحام للطائفية على هذا الميدان من أي طرف يعدّ خيانة.

ولا تفسير لما يحدث اليوم في واقعنا سوى أن الأطراف المختلفة تعاني تراكمات من المراحل التي لم نر سعياً جاداً في معالجتها، سوى التعامل مع سرعة تتابع الأحداث بردة فعل الربّان الفاقد لبوصلته عند هبوب العاصفة.

وكيف تفسر هجوم الشيعة على السنة في العراق؟

أعتقد أن الجواب قد مر في الإجابة عن السؤالين الماضيين – مع ملاحظة تحفظي على مقدمة هذا السؤال والذي قبله – ولكن من يعتدي على بريء من أي طرف كان ليس له وصف سوى أنه مجرم و المذهب بريء.

http://www.almasry-alyoum.com

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions