للأعلى
28-يونيو-2004

لقاء جريدة الثورة اليمنية

إنه الحبيب الجفري، صاحب الإطلالة الملائكية والحضور الرائع ، ملامحه ما زالت تتوهج بنور العلم ، كنت اعتبر التحدث إليه مغامرة رغم أني أحرص على متابعة برامجه وأخباره وقرأت الكثير مما كُتب عنه سلباً وإيجاباً..وعندما طرحت أول أسئلتي بين يديه أنار لي بإجاباته الكثير من الطرقات إلى أسئلة عن معاقل الفكر الإسلامي ، فدخلنا من باب الدعوة إلى الله والتطور الذي تشهده في الآونة الأخيرة وتفرعنا في أساليبها ونجاح طرقها. تحدث عما يواجهه الشباب العربي اليوم وأين تكمن جوانب القصور ؟ وكيف أصبحت التوازنات هي التي تختار ، لا العلماء وأصحاب السند.أجاب بصراحته المعهودة وأصغيت باحترافية التلميذ المجتهد

يشهد العالم الإسلامي حراكاً لا بأس به في مجال الدعوة ، فهل تمر الدعوة بمرحلة تطور؟

الحمد لله .. في السنوات الأخيرة هناك ارتقاء في مجالات الدعوة متنوع ، لكن المطلوب أكثر نسأل الله أن ييسره الارتقاء الذي برز في السنوات الأخيرة هو مشترك بين الدعاة والمدعوين.. الله عز وجل أراد أن يكون هذا الوقت وقت إقبال سئمت النفوس الأعمار التي مرت وهي في اعراض عن الله تعالى وفي بعد عن الله تعالى فصارت تبحث عن حقيقة السعادة القلبية الباطنة التي تفيض على الحياة حقائق السعادة بعد ذلك في الدنيا وفي الآخرة هذا الاستعداد المعبر عنه بالهداية الربانية مهد لأن يكون هنالك خطاب يرتقي . لأن الخطاب ان لم يجد من يستجيب يصعب ان تتسارع خطاه في الارتقاء لكن قوة الإستجابة أعانت على إرتقاء الخطاب الدعوي الرباني.

الدعوة في الداخل والخارج

هناك تباين بين أساليب الخطاب الدعوي بين من يرفع الصوت ويستخدم الترهيب وبين من يستخدم التودد والاقتراب، فأيهما أصح وأقدر على التأثير؟

الترهيب والانفعال في الخطاب ليس كله سيئا إذا جاء بوجهه الصحيح الذي يحرك القلوب. لأننا نحتاج الى الترهيب..النفس البشرية في كثير من الأحيان تحتاج الى شيء يوقظها.. يخيفها من حالها فترتقي منه الى حال أعلى لهذا جاءت آيات الترهيب في القرآن الكريم كثيرة وكذلك أخبارها في السنه ، لكن المشكلة عندما يتحول الخطاب الدعوي كله الى ترهيب يفقد حتى الترهيب ويتحول الى تنفير المقصود من الترهيب في ذكر آيات النار وأحاديث النار والأخبار المترتبة عليها هو ان تحدث في القلب خوفاً من الله يردع الإنسان عن المخالفة أو ينهض بسببه الى الإقبال على الله لكن تجريد الخطاب الديني عن كل معانيه وجعله كله ترهيبا يفقد القلوب التأثر وبالتالي لا يكون هناك رهبة.. بدل ان يحصل عند سماع الأخبار رهبة في القلب وخوف من الله وانتهاض الى الخير يحصل في القلب نفور عن الوعظ نفور عن الدين وعن الإقبال فلم يعد ترهيباً بل صار تنفيراً لكن الخطاب الدعوي يحتاج الى التنوع ، يحتاج الى الترغيب ، يحتاج الى الترهيب الى الرجاء الى الخوف الى العقلانية التي ترقي الفكر الى الروحانية التي ترقي الذات الى العلم، مع ذلك أيضا ما ذكرته انت من نبرة الصوت وهذا علم أيضا لكن اذا كان هذا وحده إذا كانت الدراسات التي تجعل الإنسان يميز متى يرفع صوته ومتى يخفضه فقط فلن تأتي بالثمار المطلوبة لان هناك شيئاً آخر وهو الصدق والاخلاص والخوف من الله تعالى ومحبة الله ومحبة الخير للآخرين والرحمة بهم اذا امتلئ بها وأفعم بها قلب الداعي أجرى الله عز وجل بادنى خطاب منه الكثير الى قلوب الناس من الخير لان الداعي لا يهدي الناس.. الله تعالى هو الذي يهدي « انك لا تهدي من أحببت» الداعي متسبب في الهداية مستمطر الهداية من حضرة الحق جل جلاله واعظم ما تستمطر به الهداية حال القلب مع الله جل جلاله إذن الصراخ الكثير غير مطلوب.. الانفعال احيانا يكون مطلوبا الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصفون بعض خطبه وليس كل خطبه انه كانت تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وكأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم لكنه لم تكن كل مخاطباته..هكذا على هذا النحو.. كان يخاطب ويتبسم كان يخاطب ويمازح كان يخاطب ويلاطف كان يخاطب ويرفع الصوت كان يخاطب وينذر ويخوف ..ينبغي التنوع لكن الاصل ما ذكرت وهو الأخلاص ووجود الرحمة في القلب وإرادة ايصال الخير للناس..

يؤخذ على بعض الدعاة الشباب استخدام العاطفة في خطابهم الدعوي فهل في ذلك خطأ؟

خطاب العاطفة ليس بخطأ وليس بعيب.. العاطفة موضع تأثر وإنفعال والنفس الإنسانية الله عز وجل خاطبها في كتابه بالترغيب والترهيب لكن الخطأ في تجريد الخطاب العاطفي الذي يغيب فيه الخطاب العقلي ولا يتأتي ان يكون هناك خطاب عاطفي سوي يلغي العقل ولا يتأتي ان يكون هناك خطاب عقلاني سوي يلغي العاطفة أيضا ينبغي التنبه الى مسألة وهي أنا قد أصبنا بحالة النقد العشوائي .. صار عندنا اسهاب في النقد بغير قواعد للنقد.. أما ترى ان أكثر خطابات اعلامنا اليوم في الغناء في الرقص في الأفلام في المسلسلات تخاطب العواطف وأسوأ ما في العواطف وهو إستثارة الغرائز .. لا نسمع الانتقاد الواعي والبناء لتلك البرامج التي تهدم كيان الشباب، استغرب أن يرى بعض الناس استجابة الشباب من خلال العاطفة الإيمانية التي تحرك فيهم داعي الخير وداعي الحق.

الخطاب والواقع

ما يقال في هذا الموضوع ان خطاب العاطفة سريع التأثير وسريع الزوال بينما خطاب العقل ثابت وباق ..

هذا الكلام يحتاج الى تدقيق.. تجريد خطاب العقل نقص وتجريد خطاب العاطفة كما قلنا سابقا نقص لكن ليس كل خطاب للعاطفة سريع الزوال وليس كل خطاب للعقل باقٍ بل تأثير خطاب العاطفة في كثير من الأحيان يكون أطول أمداً بمعنى أن كثيراً من تصرفات الشباب اليوم عقولهم لا تقرها ويعلم الشاب من نفسه ان هذا التصرف الذي يقوم به خطأ ويبغض هذا التصرف عقله ويصل الى انه يجب ان يترك هذا التصرف لكنه لم يستطع .. سنه سنتين ثلاث وأحيانا أربع.. مثلا يتناول مشروباً محرماً ويسير بسيرة غير طيبة أو يهمل دراسته كل هذه الأشياء عقله يدرك أنها خطأ لكن مع ذلك هو يرتكبها وينصح ويحاول معه بالاقناع ومع ذلك..
لكنه يحضر جلسة واحدة تتحرك فيها الأذواق الايمانية في قلبه.. ويقلع في لحظة عن مثل هذه الأمور اقلاعا قوياً بعد هذا الاقلاع يحتاج ان يتابع وأن يعان على الاستمرار بتغذية عقله بالعلوم الشرعية بالأفكار المستنيرة بالاستمرار في تزكية نفسه وفي تحريك اذواقه القلبية الايمانية…

كيف ينظر الحبيب الجفري الى الخطاب الإعلامي؟

لا شك ان هناك عتباً كثيراً على أجهزتنا الإعلامية في العالم الإسلامي لانه مع شدة الإقبال الحاصل على الخطاب الرباني وعلى برامج التوعية الدينية وشدة الحاجة في واقعنا إليها لا تزال في مستويات جداً متدنية في حسابات وأولويات كثير من القائمين على الإعلام.. بمعنى أنك تجده يريد أن يعمل برنامجاً دينياً ويقول البرنامج هذا ضعوه في الجدول الساعة السادسة صباحاً!!! من سيلتفت إليه؟ فإن قيل له ضعه في وقت حي فيقول: تريدنا ان نعمل برنامج ديني في وقت السهر؟ وما المانع ان تكون في الأسبوع سهرة دينية ينبغي ان تكون هنالك مساحة كافية.

أما بالنسبة للكيف فيحتاج الى كثير من العمل أولاً حسن انتقاء من يتكلم لا على أساس شهره أو مكانه حتى الذي يكلمك الآن الى الآن أنا غير مقتنع بالطريقة التي تم اختيار الفقير فيها في عدد من القنوات وفي عدد من وسائل الإعلام لاني لم أسأل عمن أخذت العلم وعن من تلقيته!!
فقط لان هناك شيئاً من التقبل للكلام وشيئاً من الإقبال.

هاتوا فلان هذا مشهور « خلوه» يتحدث يجب ان يكون هناك منهجية في اختيار من الذي يوجه الخطاب الرباني من الذي يخاطب الناس في دينهم من خلال وسائل الإعلام ؟ الأمر الثاني هناك تأمل واستخارة وتوجه الى الله وطلب إلهام الصواب يجب ان تكون ملء قلوب وعقول الذين يخاطبون بالخطاب الديني، الأمر الثالث يحتاج الى تنوع في الخطاب الديني يخاطب مختلف الأعمار ومختلف الثقافات ومختلف المستويات تنوع الوسائل مطلوب ما دامت لا تخرج عن حد الشرع ما دامت ليست مستقبحة شرعاً هذه أمور ينبغي التنبه إليها، أيضا دراسة منهجية لمن سيطرح ودراسة منهجية لما سيطرح

يستخدم العلماء كثيراً مصطلح« الوسطية» في خطابهم الوعظي فما هي الوسطية في الإسلام؟

الوسطية هي التي ذكرها الله سبحانه وتعالى عندما وصف الأمة بأنها أمة وسطى… الوسطية ليست ان يكون الإنسان بين نقطتين أو في منتصف نقطتين بين حق وباطل.. الوسطية المقصودة هنا هي الوسطية في الحق تستطيع ان تفهمها بأوجه متنوعة فمنها وسطية الاتزان بين متطلبات العبودية لله عز وجل والقيام بحق الخلافه عنه في الأرض من عمارة الروح وبناء العقل وحسن القيام بواجب الجسد وتزكية النفس…

التوسط في هذه الشئون معنى للوسطية .. من معاني الوسطية وسطية الأسلوب في إيصال المنهج الحق من معاني الوسطية وهو من ارقاها وهو معنى يندر الاعتناء به بالرغم من انه الأساس هذا المعنى هو وسطية ضبط النفس بحيث لا يكون لها أثر على تصرف الإنسان يحجب عن الإنسان حالة تصرفه ما ينبغي ان يفعل ولهذا لما ذكر الله عز وجل الفلاح والخيبة ربطها بالنفس « قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» الوسطية معنى شامل.. واسع ضابطه الأساسي ان لا يتصرف الإنسان انطلاقاً من انفعال نفسه بل يتصرف على أساس المرجعية الى الخطاب الرباني وما يريده الله تعالى منه يترتب على هذا استيعاب للموالي وللمخالف استيعاب للقريب وللبعيد- للمسلم ولغير المسلم على نحو يحفظ على المؤمن صلته بربه بل تزداد وفي نفس الوقت يكون من عوامل ازديادها أداء المؤمن لمهماته في حياته التي تحيط بواقعه.

استغلال الشباب

الجميع يحذر من استغلال الشباب وسهولة تعبئتهم سلباً أو إيجاباً فهل الشباب العربي فارغوا العقول الى درجة تسهل فيها السيطرة عليهم؟

يجب ان تعرف ان الله عز وجل قد وزع الذكاء بعدله سبحانه بين المناطق والأمم والشعوب . والشباب العربي ليسوا باغبياء ولا عاجزين .. ان المشكلة التي يقابلها شبابنا تبدأ منذ النشأة وهي تغييب قواعد التربية الراقية التي تنشئ الإنسان على نفس سوية هذه النفس السوية تمكنه من الارتقاء في صلته بربه التي يترتب عليها ويزيدها الارتقاء في صلته بخلقه سبحانه وتعالى وإدراك الواجب الذي ينبغي ان يقوم به ومعرفة مهامهم في العصر الذي يعيشون وأخذ زمام النفس بضبطها عندما تريد ان تجمعهم نحو متطلباتها ومتعها, واعطائها ما أباح الله تعالى لها لكن على نحو يزيد الإنسان همة وجهداً وقياماً بالواجب ، فإذا أصل المشكلة يبدأ منذ النشأة والتربية ، الأمر الثاني في مدارسنا في جامعاتنا.. تحتاج الى كثير من إعادة النظر في المناهج… ليس فقط في المناهج الإسلامية كالكلام الذي يشاع اليوم بل في جميع أوفي أكثر المناهج.. تكديس المواد.. الحشو الزائد فيها.. عدم متابعة تطور المعلومات.. وسائل التعليم والتدريس.. الاعتناء بالمدرس واعطاء المدرس حقه المعنوي والحسي الذي يعينه على أداء واجبه… الروابط ما بين المدرسين والطلاب هذه كان لها الأثر الكبير في السلبية التي ذكرتها.
أيضا أحوال الأمة التي تحيط بالشباب مع قلة من يرشد الشباب الى ما ينبغي أن يفعلوه .. ليؤدوا ما ينبغي أن يؤدوه في خضم ما يحيط بهم.

يشهد الوطن العربي في الآونة الأخيرة الكثير من القلاقل والتفجيرات التي يقوم بها شباب مغرر بهم تؤدي الى قتل المسلمين والمؤمنين في ديارهم وأسواقهم وشوارعهم . فما الذي أوصلنا الى هذه الحالة؟ وكيف يمكن الخروج منها؟ ؟

ينبغي أن نفهم ما هي الأسباب التي أوصلتهم الى هذه الحالة السيئة ليس هذا من باب التبرير لأعمالهم لأن هذه الأعمال التي يعتدى فيها على الآمنين أو المؤمنين أو المسلمين أعمال شنيعة لا يعذر صاحبها مادام مختاراً مكلفاً لكن حتى يعالج الداء لابد ان يعرف أصله.. فهناك الشباب الذين يقبلون على الخير وعلى التدين ويجدون الجهات التي تتلقاهم وتستوعبهم استيعاباً حسناً وتبنيهم بناء حسناً وتوفر لهم العلم الشرعي الصحيح الراقي والسلوك النبوي الراشد الزكي وعندما لا يوجد من يتلقاهم على هذا النحو تتلقاهم الأيدي الأخرى العابثة التي بعضها الى المصلحة وبعضها الى العصبيات وبعضها الى أمراض نفسية في أصحابها وبعضها الى الجهل فتتلقاهم وتصيغهم وتستغل الظروف التي تحيط بالأمة اليوم من القهر الذي تعانيه الأمة والاذلال وسلبية الدول الإسلامية في معالجة الواقع الذي تعيشه والتهييج الخطابي الذي يحصل من الكثير من الخطباء فالواقع يضغط عليه والتهييج الخطابي يزيد الضغط ويرى أمامه الدول الإسلامية عاجزة عن ان تقوم بما ينبغي ان تقوم به هذا كله يوجد عنده شيء يسمى الاحباط والشعور انه يجب ان يقوم بشيء على أي حال كان فيتلقفه من يتلقفه ويزج به في مثل هذه المعمعة..
اذا فهمنا هذا الأمر فينبغي ان ننظر الى العلاج بعمق وليس بسطحية ليس بطريقة «هاتوه خلاص احبسوه» الخطر الذي يهددهم ويهدد المجتمع بسببهم ليس فقط خطر التفجير والأمن أو خطر الاقتصاد أو خطر السياسة .. هذه أخطار نعم لكن ان قسناها بالخطر الحقيقي تتحول الى سطحية .. الخطر الحقيقي الذي لم يتنبه له هو الخطر الفكري خطر بناء الإنسان الذي يضيع .. اذا ضللنا الطريق وكان همنا الأكبر فقط كيف نوجد الأمن .. وهو مهم .. كيف يؤمن الاقتصاد وتستقر السياسة وهومهم ..اذا اكتفينا بذلك دون ان نفكر في كيفية بنائه هو.. بناء الذات الإنسانية السوية فلن تحل المشكلة إذن فنحن نحتاج الى إعادة تأهيل الشباب الذين تضرروا وغُرر بهم والضرب على يد المجرم الذي أوصلهم الى هذا الحد ونحتاج الى إعادة النظر في تربية الشباب وتنشئة هذا الجيل ويحتاج كثير من المسئولين في العالم الإسلامي الى إعادة النظر بجدية وبصدق مع الله تعالى في منهجيتهم في التعامل مع الخطاب الديني الإسلامي الرباني في بلدانهم.. عندما تكون البنت المسلمة في بلد تشعر ان حجابها سيسبب لها سلسلة من المتاعب . عندما يشعر الشاب ان التزامه بالصلاة في المسجد سيحوله إلى محل استفهام سيسبب له تأخر في دراسته.. وحرمانه من المجالات التي يحب ان يتفوق فيها عندما يشعر ان مجتمعه متجهم تجاهه فقط لانه تدين . هذا الكلام هو الأصل قبل التغرير والقضايا الأخرى وهو الذي مهد للمغررين بأن يغرروا بأمثال هؤلاء الشباب.. فينبغي إعادة النـظر . أيضا التعامل مع الدين من قبل كثير من الأنظمة ينبغي اعادة النظر فيه عندما يكون الدين شيئاً سطحياً هامشياً ولا يلتفت إليه .. مادة جانبية في التربية الإسلامية مادة جانبيه في المدارس تكملة عدد ومحتواها غير كاف وغير غزير وغير مستوعب والمدارس على هذا النحو ماذا نتوقع ان تخرج لنا هذه المنهجيات وهذه الأساليب؟ ستخرج لنا أناس جهال بدينهم وبمقتضى هذا الجهل وهذه الظروف التي تحيطهم يمكن ان يؤثر عليهم فإذاً لا نلقى بالخطأ كله على كواهل هؤلاء الشباب ولا نبرئهم من الجرائم التي يرتكبونها لأنها مخالفة لأمر الله تعالى، لكن لا بد ان تفهم ان هناك خلفيات لهذه المسالك ينبغي ان تعالج عندنا..

تحدثت عن المنهجية في الوعظ فمن المخول لهم اختيار الدعاه وأصحاب الوعظ؟ وكيف يمكن ذلك؟

هذا سؤال حساس واحسنت إنك سألته لان من أكبر المصائب التي اصيب بها العالم الإسلامي في الأوقات المتأخرة .. نسأل الله ان يرفع جميع المصائب عنا وعن جميع المسلمين.. ان اختيار من يتصدر للخطاب الرباني أو للدعوة الى الله أو للفتوى أو للتعليم لم يعد زمامه عند العلماء العاملين أصحاب السند .. أصحاب التلقي والأخذ بل أصبح خاضعاً لكثير من التوازنات ولكثير من الاختلافات فالسياسي الذي يريد من يستطيع ان يتكلم فيحذر الناس من شيء هو يريد ان يحذرهم منه فيقول هاتوا بفلان..

وهذا الاقتصادي الذي يريد ان يروج لشريط .. هاتوا بفلان وهذا الإعلامي الذي يريد فكره معينة في رأسه.. هاتوا فلان..

فأصبح تحديد من يمكن ان يلقي الخطاب من جهة الأهلية عند غير أهل اختصاصه .. نعم من جهة الصلاحية الإعلامية هذه نحيلها الى الإعلاميين… من يصلح ان يبرز من حيث الصلاحية الإعلامية من حيث المواصفات الإعلامية هذه الى المتخصصين في الإعلام ليست الى أهل العلم لكن من حيث الأهلية التخصصية العلمية الدينية الشرعية أو الدعوية ينبغي ان تكون عبر العلماء كان لا يحدد المفتي إلا العلماء هم الذين يشيرون على الحاكم .. فلان هذا يصلح ولوه .. وهذا يصلح قاضي نراه مناسباً ونثق به ولوه..

فإعادة الأمر الى بيت العلم والشرع والدين بيت العلماء المربين الناصحين الربانيين المخلصين سيكون له الأثر الإيجابي الكبير..

سمعتك تتحدث عن كيف نعيش هم مهمة الدعوة الى الله فهلا أوضحت لنا ذلك؟

من باب فهم مهمتنا في الحياة ، الله عز وجل خلقنا للعبادة « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» بالمعنى الواسع حملنا أمانة الخلافة في الأرض الخلافة الراقية التي تمتد الى صلتنا بالحيوان والجماد والنبات والمسلم والكافر ان نقوم بمسئولية في تعاملنا مع من يحيط بنا هذه العبودية وهذه الخلافة تقتضي ان نكون أصحاب مسئولية تجاه العالم الذي يحيط بنا لاننا أصحاب مسئولية في ربطهم بالله عز وجل.

الله اختارنا لنكون مسلمين هناك من غير المسلمين من هو أذكى منا ومن هو أكثر انضباطا منا من هو أقوم سلوكاً منا لكن الله اعطانا نور الإسلام هذه الصفة وهذا الاختصاص يطالب صاحبه ان يؤدي حقه من القيام بنشر هذا الخير الى الآخرين..

الأمر الآخر وهو الجامع للمعاني صلات قلوبنا بالحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن انتهضت في الأمة وقويت فيها أنوار الصلة بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اثمرت في القلب ارتباطاً بالحبيب . هذا الارتباط يعلق القلب بما كان قلب الحبيب متعلقاً به. كان قلب الحبيب متعلقاً بربه .وكانت همته وهمه في هذا الوجود دعوة الناس الى الهدى على قدر الصدق في محبة هذا الحبيب تنتهض الهمة الى هذا الوجود والى هذا العالم لنشر نور هذا الدين..

سمعت الشيخ الحبيب الجفري يتحدث عن «العالم المفزع» فما هو هذا العالم؟

أما الكلمة والاصطلاح فقد سمعتها واستفدتها من الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر سابقا وهو من العلماء: في برنامج « عالمية الإسلام»

المفزّع من الفزع.. العالم الذي يعيش حالة الهلع وفقد الطمأنينة والسعادة الذي نراه أمامنا في ما يحيط بنا من بطش وظلم واخذ حقوق الناس ومن المجاعات المفتعلة والحروب المصطنعة وهي نتاج لسعي الإنسان نحو ما يظنه سعادة والإنسان اذا انقطع عن الحق عز وجل وعن منهج النبوة والرسالة وعن الصدق مع النفس تضحك عليه نفسه ، فتوهمه ان السعادة هنا أو هناك في أمور ليس لها علاقة بالسعادة فإذا حصلها فرح انه حصلها وظن ان السعادة ستخيم عنده فيفاجأ ان لا سعادة فيبحث مرة أخرى ويتخبط في بحثه هذا هو الذي يحدث في العالم.. القوة التي تظلم والتي تبطش ترى انها تبحث عن سعادة السيطرة على العالم… بعد ان بحثت عن السعادة في الاباحية فلم تجدها بحثت في كثرة المال فلم تجدها بحثت في جوانب الحياة الأخرى فوجدت مساحة السعادة محدودة وسطحية في مجتمعاتهم وسرعان ما تتبخر ،هذا التزعزع في المجتمع فقد المجتمع للامن… الناس تقول ان فقد الأمن في دولنا فقط العالم كله يعاني..

الخلاصة فقد الإنسان لسر التكريم الرباني الذي كرمه الله سبحانه وتعالى به أوصل الإنسان الى حاله من الهلع.

الله سبحانه وتعالى يقول« ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا» الآن هم يعيشون حالة الضنك حتى الذين يفزعون الناس ويملكون الأسلحة النووية ويقيمون الأرض يقعدونها بما أوتوا من أسباب في العالم من منهم اليوم آمن؟ العالم يعيش حالة هلع وفزع ولن يتأتي للعالم أو من يريدان يخرج من هذه الحالة ان يخرج منها إلا بعد ان يصحح صلته بالله عز وجل

هل يمكن ان يكون هناك جدوى من إقامة مثل هذه المؤتمرات ؟

لا شك ان هناك جدوى .. لو لم يكن هناك جدوى إلا إلتقاء العلماء مع بعضهم والتعرف على بعضهم وتدارسهم أحوال بعضهم ولو في ردهات المؤتمر لكان هذا وحده كافياً إضافة الى ما في الأبحاث التي تطرح من مفاهيم راقية وتصحيح لكثير من المفاهيم وتوضيح لكثير من المشكلات.
الذين يحضرون المؤتمرهم علماء ما من أحد منهم إلا وهو صاحب منبر أو صاحب كرسي تعليم أو صاحب خطاب ديني لو أن هؤلاء خرجوا من المؤتمر بشيء من الارتقاء ففيه الخير لكل من سيستمع إليهم أو يتلقى عنهم .

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions