للأعلى
30-نوفمبر-1999

نداء للحبيب علي الجفري

فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على التعارف مع بني جنسه إذ يوثر الاجتماع على العزلة, وهذا يقتضي تعايشه بين أصنافٍ وطوائف مختلفةٍ من الناس، على اختلاف مشاربهم ومناهجهم ومعتقداتهم، فينبغي عليه أن يحسن فقه التعامل معهم؛ حتى يحقق أسمى معاني الوراثة النبوية والأخلاق المحمدية.

بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ” (يوسف: 53)

“وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ” (الشورى: 25)

فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على التعارف مع بني جنسه إذ يوثر الاجتماع على العزلة, وهذا يقتضي تعايشه بين أصنافٍ وطوائف مختلفةٍ من الناس، على اختلاف مشاربهم ومناهجهم ومعتقداتهم، فينبغي عليه أن يحسن فقه التعامل معهم؛ حتى يحقق أسمى معاني الوراثة النبوية والأخلاق المحمدية.

ومن أمعن النظر في أحوال بعض الناس – في الوقت الراهن – يجد قلوباً متنافرة, وألسنة متنابزة, وأيدٍ غير متصافحةٍ، ويلقون من ذلك معاناة ووحشة, كل ذلك جراء أمورٍ لا ينبغي أن يجعل للشيطان فيها فرصةٌ ليفسد عليهم تآلفهم وتراحمهم.

ومن تعايش مع الآخرين يجد أنه لا مؤثر في التعامل معهم كطيب الكلام ولين الجانب وحسن الخلق، ومن اتصف بهذه الصفات كان هو المؤثر، وسرعان ما يستميل القلوب ويجد أثر ذلك فيمن ينصت إليه، وهذا هو أجل وأعظم ما يحقق الود، ويجلب الوفاق، ويحقق الوحدة ، وينفي الفرقة.

وهذا من هدي نبينا الحكيم عليه أفضل الصلوات والتسليم ، إذ يأتي إليه زَيْدِ بن سَعْنَةَ أحد أحبار يهود يتقاضاه قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث ، فيقول :” أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَلا تَقْضِيَنِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ بني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمَطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عَلِمٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وتُؤَدَةٍ ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ وأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رَوَّعْتَهُ، قَالَ زَيْدٌ : فَذَهَبَ بِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَأَعْطَانِي حَقِّي، وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ ؟ فَقَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رَوَّعْتُكَ، قُلْتُ: وتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ ؟ قَالَ: لا ، مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بن سَعْنَةَ، قَالَ: الْحَبْرُ، قُلْتُ: الْحَبْرُ، قَالَ: فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ ؟ قُلْتُ: يَا عُمَرُ، لَمْ تَكُنْ مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلا اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ الْجَهْلُ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَقَدْ أُخْبِرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي وَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالا صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ” ( معجم الطبراني الكبير 5/222 برقم 5154، المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، ذكر إسلام زيد بن سعنة مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم 4 / 34 برقم 6626، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وهو من غرر الحديث، ومحمد بن أبي السري العسقلاني ثقة )

وفي مسند أحمد عن عائشة أم المؤمنين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ. (أحمد 6/159 برقم 25298)

ومن خلال ما تقدم ..

أتوجه إلى كل مسلمٍ ومسلمةٍ , إلى كل صغيرٍ وكبيرٍ, عربيٍ وعجميٍ , عالمٍ وجاهلٍ , حاضرٍ وغائبٍ , قريبٍ وبعيدٍ , حي وميتٍ , يرى أنني أسأت في حقه بقصدٍ أو بغير قصدٍ، بل أوجه ندائي هذا إلى كل من جمعتني به كلمة التوحيد , ووسعتني ووسعته شريعة سيد المرسلين القائل: “وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ” (مسلم 4/2001 برقم 2588، مسند أحمد 2/386 برقم 9008) أن يصفح ويعفو عن أخيه الراقم لهذه الأسطر المتواضعة.

وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين: “من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته؛ فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقا كانت أو باطلا، وتكل سريرته إلى الله تعالى، وعلامة الكرم والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه” (2/338)، فإن أثمن ما في الحياة هو القدرة على ملامسة قلوب من نحب، والأسوأ هو جرح هذه القلوب دونما أي اعتذارٍ يقابله عفوٌ.

على أن كل ما تقدم لا يعني بحال من الأحوال التخلي عن أو إنكار ما اعتقدته ثابتاً وصحيحاً كالجبال الراسيات، من مذهب أهل السنة والجماعة، بمفهومها الجامع غير القابل للاختزال في طائفة أو جماعة تدعي تمثيلها الأوحد لأهل السنة والجماعة، وتسم غيرها من طوائف الأمة وأطيافها بالزيغ والضلال.

فما سبق من طلب اعتذار أصل قرآني لإحياء سنة نقد الذات (وما أبرئ نفسي)، أرجع به عما حصل من خطأ بغير قصد لعجلة أو لبس في عزو الأحاديث، أو ما شاب الخطاب في أحيان ما من حدة وشدة، ونبهني عليها إخوان أسأل الله أن يجزل لهم الأجر في ذلك مهما كان أسلوبهم، فالحق أحق أن يتبع، مع تسليمي الكامل ويقيني الثابت أن من الأنسب في عرض الأفكار وتلاقح الرؤى والتعامل مع الآخرين الالتزام بالأسس القرآنية في الخطاب بالحكمة والموعظة الحسنة والإعراض عن الجاهلين، وأن تعدد وتنوع الاجتهادات إنما هو من قبيل السعة ورحمة الله عز وجل، ولهذا لما صنف رجلٌ كتاباً سماه “كتاب الاختلاف” قال أحمد بن حنبل: سمه “كتاب السعة” (مجموع فتاوى ابن تيمية 14/159)، وعن أنس بن مالكٍ، قال:” كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم” (صحيح البخاري 2/678 برقم 1845).

وقد طلبت من إخواني القائمين على الموقع تخصيص هذا القسم لإحياء تلك السنة القرآنية في نقد الذات “وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء”، وذلك من خلال عرض و تصويب للأخطاء التي وقع فيها الفقير إلى الله في عزو الأحاديث سهواً أو في أسلوب الخطاب أو في أي سياق كان، راجياً من كل من وقف على خطأ للمسكين علي الجفري أن يتصدق عليه بالتنبيه من خلال الموقع أو غيره، ورحم الله من أهدى إلي عيوبي لأتداركها في زمن الإمكان قبل اليوم الذي لا تنفع فيه الندامة، جعلنا الله وإياكم من أهل السلامة.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم

أخوكم الفقير إلى عفو مولاه
علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
إنه ولي ذلك والقادر عليه

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions