خاطرة حول التباين بين مفاهيم الشباب وإشكالية تأثيرها على اختلافاتهم
الحمد لله..
سبق أن كتبت خواطر حول الشباب بعنوان: «همسة فى أُذن الشباب» و«نحن والشباب» و«عندما يبدو الكبار صغاراً» و«قضية الشباب»، إذ احتوت على توجيه اللوم إلى جيلنا والأجيال التى سبقته وتحميلهم مسئولية معاناة الشباب، ودعوتهم إلى محاولة الإصغاء إلى الشباب وفهم قضيتهم.
وهنا أستأذن الشباب فى هذا السؤال الذى تزداد جدّيته فى قرع أبواب العقول والمشاعر يوماً بعد يوم وهو: هل يفهم الشبابُ الشبابَ؟
نعم فإننا أمام نماذج متباينة من الأطروحات الشبابية كل منها يعيش همّاً صادقاً يراه مرتكَزاً لمعاناة الشباب ومفتاحَ حلول لها.
وأجد هنا أنه من الضرورة بمكان أن أقدم بين يدى هذا المخاض اعتذاراً حقيقياً إلى الشباب واعترافاً جاداً بمسئوليتنا الكبيرة تجاه هذا الالتباس والارتباك الذى يعانيه شبابنا.
غير أنَّ محلّ التساؤل هنا:
هل وجدت هذه الشريحة طريقها الحقيقى نحو ما تراه حقاً؟ هل يكمُن الحل لمعاناتهم فى استنساخ تجارب الأبطال المسلمين أمثال صلاح الدين والعز بن عبدالسلام ومحمد الفاتح دون تنبُّه إلى فوارق الظروف؟
وهل استطاعت هذه الشريحة أن تستوعب غيرها من شرائح الشباب أم أنها اصطدمت مع بقية شرائح الشباب وأصبح نتاج تحركها معاناة أخرى تُضاف إلى معاناة الشباب وتُعمِّقها؟ وهل كرّرت إشكالية عدم تفهّم الأجيال السابقة لمعاناة الشباب فاصطدمت مع الأقران وصادرت حقهم فى تقدير المعاناة، ووجّهت إليهم التُهم بالكفر والفسق والانحراف، وتهكّمت عليهم ونبزتهم بالألقاب كنعتهم بالشواذّ والمستغربين، واستخفّت بآلامهم ومعاناتهم، بل استباحت آمالهم قبل أن تستبيح دماءهم؟
وهل وجدت هذه الشريحة من الشباب طريقة للخروج من هذه المعاناة وفق فهم أسبابها؟ أم أنها اختزلت الأمر فى المواجهة السياسية التصادمية وما نتج عنها من رفض أدى إلى الصدام الدامى الذى حوّل الشعور بالمظلومية إلى حالة انتقامية من الجميع؟
غير أنَّ محلّ التساؤل هنا أيضاً:
هل وجدت هذه الشريحة طريقها الحقيقى نحو ما تراه حقاً؟ هل يكمن الحل لمعاناتهم فى استنساخ تجارب رموز النضال كأمثال «مالكوم إكس» و«غاندى» و«تشى جيفارا» دون تنبُّه إلى فوارق الظروف؟ أم أنها اصطدمت مع بقية شرائح الشباب وأصبح نتاج تحرُّكها معاناة أخرى تُعمّق معاناة الشباب؟
وهل استطاعت هذه الشريحة أن تستوعب غيرها من شرائح الشباب أم أنها كرّرت نفس الخطأ فاصطدمت مع أقرانها وصادرت حقهم فى تقدير المعاناة، ووجهت إليهم التُهم بالتخلّف والجهل والغباء والتبعية العمياء وتهكّمت عليهم ونبزتهم بالألقاب كنعتهم بالخرفان والمغيبين، واستخفّت بآلامهم ومعاناتهم، بل واستباحت آمالهم قبل أن تستبيح معتقداتهم وثوابتهم؟
وهل وجدت هذه الشريحة من الشباب طريقة للخروج من هذه المعاناة وفق فهم أسبابها؟ أم أنها اختزلت الأمر فى التظاهر المستمر فى الشارع وما نتج عنه من نفور حوّل شعورها بالمظلومية إلى حالة رفض لكل ما يُخالف ما تتبناه من مفاهيم وأدوات نضالية؟
فهؤلاء كلهم شباب، لكنهم يعيشون تبايناً فى الرؤى وإن كان أصل معاناتهم واحداً، والإشكال يكمن فى وجود فريق فى كل شريحة يرتفع صوته بادّعاء أنه مَن يمثل الشباب مع عدم الاعتراف بالشريحة الأخرى.
وهذه الأمثلة وإن بدت مصرية اللون لكنها تمثل حالة متكررة فى بقية الأوطان بدرجات متفاوتة، مهما اختلفت التعبيرات والألفاظ.
والمرجو من هذه الخاطرة هو أن يتأمل الشباب هذه الأسطر، من محب مستشعر لمعاناتهم، وأن تتسع صدورهم لما فيها من المصارحة الأليمة وإن أغضبهم بعض محتواها، وأن يُقوّموا ما فيها من عِوج بالتصويب عبر الحوار.
نعم أحبتى..
الحوار القائم على الاحترام للعقول والاستعداد للاستماع بعيداً عن الأحكام المسبقة والاتهامات المقولبة والإقصاء المتعالى.
لنحاول فهم بعضنا بعضاً، فنحن جميعاً فى معاناة واحدة ولا نستطيع، مهما كان رفض بعضنا لبعض، أن نواصل المسيرة بتجاهل حقيقة التنوع المستعصية على محاولات صبغها بلون واحد، فإن التنوع سُنّة كونية تتصل بحكمة الله تعالى فى الخلق، «ولَنْ تجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تبديلاً».
أحبتى..
أرجو أن لا تُكرّروا ما تنتقدونه على الأجيال التى سبقتكم، فإن لُب إشكالياتهم لا يختلف كثيراً عن هذه الإشكالية، وإن المعاناة التى تعيشونها بسبب إرث تجربتهم الثقيل لم تكن مقدماتها ببعيدة عن هذه الحالة التى تمرّون بها اليوم، وليس من المستبعد أن يكون لبعضٍ منكم مراجع من تلك الأجيال ينقلون أمراض عصرهم إليكم.
غير أن الرجاء فى الله تعالى عظيم أن يوفقكم إلى تجاوزها ليكون جيلكم هو من يفتح آفاقاً رحبة للأجيال التى تأتى من بعدكم.
أحبتى..
لا تطوّع لكم أنفسكم قتل بعضكم بعضاً بأىٍّ من أنواع القتل، قتل الحلم وإزهاق الأمل وسفك الأفكار، أو قتل الجسد وإزهاق النفس وسفك الدماء، ففى كل منها الخسران المبين.
قال تعالى: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ».
ولنستمطر رحمة الله كى نلين بعضنا لبعض حتى لا تُظلِم قلوبُنا بالغِلظة فنَنْفضّ من حول قضيتنا.
«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».
اللهم اشرح صدورنا لما تعلم أنّه الحق يا حق، يا نعم المولى ويا نعم النصير