للأعلى
29-أغسطس-2009

ماذا نريد من حوار الحضارات ؟

   شارك الحبيب علي الجفري في المجلس العلمي الهاشمي الأول الذي التأم في قاعة المؤتمرات الكبرى في المركز الثقافي الإسلامي بمسجد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين بالعاصمة الأردنية يوم أمس الجمعة 7 رمضان 1430هـ الموافق 28 أغسطس 2009، ضمن المجالس العلمية الهاشمية التي دأبت وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية على عقدها في شهر رمضان المبارك.

   وكانت مشاركة الحبيب علي الجفري بورقة عمل حول محور ماذا نريد من حوار الحضارات، إذ قلما انعقدت بالعقدين الأخيرين على الأقل لقاءات أو ندوات أو فكرية أو سياسية إلا واستحضرت قضايا وإشكالات تحيل صوباً إلى العلاقة بين الحضارات عبر ثنائية الصراع أم الحوار.

  وقد يبدو للبعض أن الحديث عن حوار الحضارات في معظم الأدبيات الرائجة إنما من قبيل رد الفعل على طرح صراع الحضارات، وهي تعبير من لدن أصحابها، على القاعدة العامة التي مفادها الرغبة المتبادلة في التعايش والتعاون والتفاهم بين مختلف الشعوب والثقافات، لإيجاد بيئة دولية سليمة، وفضاء مستقر يقوم على ضرورة الاتفاق على الحد الأدنى المشترك من القيم الإنسانية الكونية، والسلوكيات الأساسية، التي تشترك فيها مختلف الحضارات والثقافات، الكفيلة بتحقيق قيم العدل والحرية والمساواة، دون إلغاء مبادئ الاختلاف والتعدد الحضاريين.

   فنحن في عصر ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية، قد أصبحنا نعيش في عالم يمثل قرية كونية كبيرة، والأخطار التي تهدد عالمنا المعاصر أضحت أخطاراً عالمية تهدد الجميع، وتتطلب جهوداً دولية لمواجهتها، مثل قضايا البيئة، والمخدرات، والإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة، وأسلحة الدمار الشامل، وأمراض العصر، وعلى رأسها مرض نقص المناعة وغيرها من القضايا التي تتطلب تكاتف الجهود الدولية.

    ولهذا ارتكزت ورقة عمل الحبيب علي الجفري بداية على أن الحوار ليس بمكرمة نتفضل بها على من نرتضي الحوار معه ونحجبها عمن لا نرتضيه ، وإنما الحوار بداهة فريضة تعبدنا الله عز وجل بها لإيصال نور الدعوة والهداية والرحمة للعالمين بشكل منهجي واضح وصحيح، وعلى نحو تغدو فيه التجمعات البشرية التي لم يصلها خطاب الدعوة بشكل منهجي واضح وصريح من أهل الفترة.

    ومن ثم فقد يراد من الحوار دفع العالم نحو مفهوم ” التعارف” القرآني الحضاري: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( الحجرات:13)، عبر درجات متسامية من المعرفة بالذات والمعرفة بالآخر وصولاً إلى أقصى درجات التعارف بين الشعوب والحضارات ، استناداً إلى وحدة الخلق وتعدد الجعل وأن التعددية بين الشعوب والقبائل مدعاة للتعارف بين البشر مع إقامة ميزان التفاضل بالتقوى.

   كذلك لا يمكننا تجاهل التدافع الحضاري مطلباً من مطالب الحوار المراد بين الحضارات، باعتباره سنة قرآنية منضبطة وواقعية للعلاقة بين الحضارات ،” وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ”( البقرة:251) ،”وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً “( الحج:40)، فسنة الدفع هنا هي علاقة تفاعل قد تصل إلى درجة الصراع ولكنها متجهة نحو البناء والاستجابة الحضارية لتحديات الراهن، عكس نظرية صدام الحضارات التي هي مقولة صراعية تدفع الغرب بإمكاناته العلمية والمادية لممارسة الهيمنة ونفي الآخر، فالغاية من التدافع هنا هي عمارة الأرض والإبقاء على الأنفع والأحسن والأكثر فائدة للبشرية واستباق الخيرات.

    وهو ما أكده الحبيب علي الجفري في مداخلته عما نريد من الحوار، في سياق لفت الأنظار إلى المفاضلة ما بين حوار الثقافات أم حوار الحضارات وهل نحن نحيا بين ثقافات متعددة تمثل إنجازات ومكتسبات لحضارة واحدة أم أننا نحيا بين حضارات متعددة ومختلفة لكل منها أسسها المعرفية والنظمية والسلوكية باستقلال وانعزال عن غيرها من الحضارات الأخرى؟ ثم لماذا تتركز معظم قضايا ودوائر حوار الحضارات على الثنائية التقليدية في العلاقة بين الإسلام والغرب وكأنه لا توجد في العالم سوى الحضارة الغربية التي يسعى المسلمون إلى شكل ما من أشكال الحوار معها تحت شعار حوار الحضارات؟

     وأضاف أن الثمرة المرجوة من الحوار هي التكامل البشري والذي يجب أن يكون حاضراً  عند الحوار كمقصد وغاية، مثلما يجب أن يبرز خطابنا مع الاخر أن لنا هوية، مشيرا إلى أن الخطاب الثقافي الغربي قد يدعونا إلى أمور لا تتفق بالضرورة وأحكام شرعنا وأن هناك ضغوطاً اجتماعية واقتصادية وسياسية من جانب الاخر ، ولذلك يجب أن نعد رؤية واضحة تنطلق من أحكام الشرع الحنيف في التعامل مع الخطاب الثقافي الغربي.

   ذلك لأن المطلوب من الحوار مع الآخر هنا لا ينفي وجود الاختلاف فيما بين أطرافه لا في القيم و لا في العقائد، أو أن يلغي وينفي ذلك التنوع في أسلوب الحياة وأنماط التعاملات، بل يعني اطِّلاع كل طرف على رؤية الطرف الآخر، ومعرفة مواقفه معرفة جيدة، واعتبار كل ذلك مدعاة تعارف بين الشعوب والأقوام وليس مدعاة تنابذ: التعارف تواصل حضاري بين الشعوب، فيه اعتراف بالآخر، وتواصل معه يقوم على البر والتقوى والكلمة السواء، والمجادلة بالتي هي أحسن.

   ولهذا عرض الحبيب علي الجفري لتطورات مبادرة كلمة سواء باعتبارها المبادرة   الأكثر نضجاً ومنهجية للحوار والتي تتبناها مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، مستعرضاً بعضاً من إنجازاتها ممثلة في تقديم أكثر من 300 من علماء ورموز المسيحية الأمريكية اعتذاراً تاريخياً للمسلمين عما أصابهم من جراء الحروب الصليبية في الماضي والحرب على الإرهاب في الحاضر، والذي نشر على صفحة كاملة في نيويورك تايمز في 18/11/2007 ،  ورد كبير أساقفة كانتربري روان ويليامز، ومؤتمرات أكاديمية في جامعات كامبردج ويال وجنوب كارولينا ثم جورج تاون في أكتوبر المقبل.

   هذا وقد شارك سماحة العلامة الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وسماحة شيخ الأردن ومفتيها الدكتور نوح القضاة في توضيح وتجلية دور الحوار في التواصل الإنساني وأثر الحوار الراشد في خدمة قضايا الأمة، وصولاً من المحاضرين إلى تحديد ماهية الحوار المطلوب شكلاً وموضوعاً، وأدار أعمال الجلسة رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور عبد الناصر أبو البصل.

   إذ تحدث سماحة الدكتور نوح القضاه عن المقصود من حوار الحضارات مبينا أن حوار الحضارات مشروع عالمي يهدف إلى تعاون البشر بالاتفاق على نمط فكري يبعدهم عن الحروب ويكسر الحاجز النفسي الذي يحول دون سماع وجهة نظر الاخر ، وقال أن هناك فرقا بين من يرى أن الحياة فرصة للعبادة لنيل رضوان الله والجنة وبين من يرى الحياة فرصة للذات الجسدية لذلك فهو يضحي بحياة الاخرين.

   واضاف أنه ساد في العصر الحديث منطق القوة والاعتداء فانتهكت الحرمات، مشيرا إلى أننا نريد من الحوار إبعاد شبح الحروب المدمرة عن البشر لأن الله تعالى خلقنا على هذه الارض لاعمارها ومنع الدمار فيها.

  وقال الدكتور نوح القضاه أن المشاركة في المؤتمرات نوع من الحوار والاستفادة من وسائل الاعلام وكل ما يبلغ صوتنا للعالم، مشيرا إلى أن المسلمين مكلفون بالتبليغ عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

  وتحدث سماحة العلامة الدكتور البوطي عن كيفية الحوار مع الاخر والمحاور الاساسية التي نناقشها معه واثر الحوار الراشد في خدمة اهداف الامة. وقال إن الحوار لا يتحقق إلا بتلاقي الطرفين وأن عناصر الحضارة واحدة، مشيرا الى أن هناك جامعا مشتركا بين الحضارة الاسلامية والحضارات الاخرى ولكن الذي يتمثل في المنهج الذي ربانا عليه كتاب الله عز وجل هو كيف نتعامل مع عناصر الحضارة.

   حضر أعمال المجلس العلمي الأول سماحة  وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية عبدالفتاح صلاح وعدد من الوزارء والاعيان والنواب والقضاة الشرعيين وكبار ضباط القوات المسلحة والامن العام والدفاع المدني وسفراء الدول العربية والاسلامية المعتمدين لدى البلاط الملكي الهاشمي والمدعوين.

شاهد فعاليات المجلس

مشاركات الحبيب علي الجفري

 

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions