للأعلى
28-مارس-2009

مؤتمر كلمة سواء .. النظرية والتطبيق

    في حدث غير مسبوق نظمته جامعة زايد بالتعاون مع جامعة جنوب كارولينا وثلاث جامعات اندونيسية أخرى عبر الأقمار الصناعية وعلى مدار يومي أمس وأمس الأول ، انطلقت فعاليات المؤتمر العلمي الأول من نوعه حول كلمة سواء بين النظرية والتطبيق ، وذلك بحضور معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي رئيس جامعة زايد، و فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، والدكتور عبد الله فدعق المفكر الإسلامي ، والدكتور عبد العزيز الحر مدير مركز التدريب والبحوث الإعلامية بقناة الجزيرة، والأسقف بول هيندر أسقف الكنيسة الكاثوليكية في الجزيرة العربية، والقسيس الإنجليكاني كليف ونديبانك بكنيسة القديس أندرو في أبو ظبي والدكتور سليمان الجاسم مدير جامعة زايد، والدكتور حمدان مسلم المزروعي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، والدكتور فاروق حمادة المستشار بديوان سمو ولي عهد أبو ظبي ، والأستاذ الدكتور نصر عارف رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة زايد والأستاذ جهاد براون مدير مركز أبحاث مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية والأستاذ وليد مسعد بقسم المشاريع بمؤسسة طابة.

   وقد أعرب فضيلة الحبيب علي الجفري عن ارتياحه للمشاركة الواسعة من قبل العلماء والشخصيات الإسلامية والمسيحية في أعمال مؤتمر كلمة سواء، مشيراً أن حوالي (600) مقالة في الصحافة الغربية تناولت هذه المبادرة وأكدت أهميتها في تصحيح صورة الإسلام في الغرب.

   وقال : إن أكثر من 300 مرجع أمريكي أكدوا على صفحات نيويورك تايمز ترحيبهم بكلمة سواء، مشيرين إلى أنهم أخطأوا في حق جيرانهم المسلمين في الماضي بالحرب الصليبية والأخطاء التي ترتكب في الحاضر بحجة الحرب على الإرهاب.

   وأضاف أنه لزاماً علينا تخطي عقدة الخوف من ضياع الهوية بالمزيد من التعرف إليها بطريقة صحيحة وبتعليمها لأبنائنا ،وأن نقرأ الآخر عبر طريقة تفكيره على جسور المحبة والتواصل والحوار والانفتاح .

   وفيما يتصل بالحرب على الإرهاب أكد فضيلته أن تدمير البيئة أشد أنواع الإرهاب اليوم، والذي ينبغي أن يتصدر قائمة الحرب على الإرهاب في العالم، لافتاً الأنظار والقلوب إلى أنها الأولى في صرف المبالغ والأرقام الفلكية التي تنفق على ما يسمى الحرب على الإرهاب، مؤكداً أن تدمير البيئة هو الإرهاب الأكبر اليوم، حيث يحدث من خلال النفايات السامة التي تلقى والغازات المنبعثة من المصانع، ومن خلال تدمير الغابات الزراعية والطبيعية ومختلف صور سوء استهلاك الإنسان للبيئة المحيطة به.

   وأشار الحبيب علي الجفري إلى أن دولا كبرى ترفض الدخول أو الاستمرار في الالتزام بالمعاهدات العالمية التي تتعلق بالحفاظ على البيئة ، خاصة مع عدم وجود آلية جادة لمحاسبة تلك الدول على ذلك، معتبرا أنه إرهاب حقيقي يعانيه العالم ، داعياً فضيلته إلى جعل جريمة تخريب البيئة وتلويثها من خلال سوء استخدام المصانع الكبرى وانبعاث الغازات السامة في صدر قائمة الحرب على الإرهاب وذلك إذا أراد العالم أن يجعل للحرب على الإرهاب مصداقية.

    ومن جانبه أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن سيرة وإنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، قد جاءت تأكيداً مستمراً لاعتقاد راسخ بوجود “كلمة سواء بيننا وبين الغرب”، وليقين كامل بأن الحوار الصادق والنزيه بين أشخاص وجماعات شريفة وملتزمة تمثل ديانات وثقافات ومعتقدات وخلفيات متنوعة من شأنه أن يؤدي إلى وجود عالم أفضل و أكثر سلاماً ورخاءً.

   وأضاف انه لسوء الحظ أن نبدأ اليوم من واقع أليم نجد فيه محاولات كثيرة، للهجوم على المبادرات الهادفة، التي تشجع على التحليل الواقعي والنظرة المتزنة للأمور، وبدلاً من مسايرة هذه المبادرات وتبنّيها، نجد من يهاجمها، ويَصِفها بأنها متحيزة أو مُغرضة، مشيراً إلى أن هذا يحدث، إما لعدم المعرفة الكافية بها، أو لكونه نتيجة لنية مبيتة، لقلب الحقائق وتزييف الأمور، منوهاً بأنه لا يمكن لأي شعب، أو لأي أمة، أو لأي ديانة، أو حتى لأي جامعة تستحق هذا المسمى، أن تسمح لنفسها، بأن تصبح أسيرةً لفكرٍ جامد أو متحيز، لأن نتيجة ذلك، هو دعم ثقافة التطرف، وترك الداعين إليها، ينشرون أفكارهم في المجتمع.

    وإلى ذلك أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية في كلمته التي ألقاها في المؤتمر أن دعوى الحوار بين الأديان لم تكن لتجد لها مكانًا بين الأمم ، بل كانت مثل هذه الدعوات إن وجدت تلقى النبذ والإقصاء نظرًا للعزلة السائدة في العالم آنذاك وانغلاق سبل التلاقي وقصور الفكر الإنساني عن إدراك أهمية هذا الحوار ،على الرغم من وجود منطلقات دينية واضحة تحث عليه، لكن استحضارها لم يكن واردًا وها هي تظهر كضرورة بشرية في عصرنا الحاضر بعد أن نجح بعض المتطرفين في الغرب والشرق في صرف المسار الإنساني إلى نظرية صراع الحضارات وتقسيم العالم إلى خصماء متنازعين، مشيرا إلى أن الحوار ضرورة عقلية و مصلحية للجميع لإيقاف انزلاق البشرية نحو التوحش، خاصة أننا نعيش في عالم سمي القرية الصغيرة أو القرية العالمية وكل تصرف في أي مكان يؤثر في الآخرين سلباً وإيجاباً .

    وأوضح فضيلة المفتي أنالحوار فيه نوع من أنواع الاستكشاف، فيه نوع من أنواع طلب البيان، وهذا أساس مهم من أسس الحوار”، مضيفاً لا أظنني مبالغاً في القول بأن مبادرةكلمة سواءأصبحت المبادرة الأبرز عالمياً في الحوار بين المسلمين والمسيحيين على وجه الخصوص. وأن الباعثالذي يحركنا بكل أمانة هو السلام، إننا نرمي إلى نشر السلام والوئام بين المسيحيين والمسلمين في العالم كله، ليس من خلال الحكومات والمعاهدات، ولكن عبر الصعيد الأكثر قبولاً وشعبية، من خلال القيادات الشعبية الأكثر نفوذًا وتأثيرًا وأعني بهم رجال الدين”.

   وخاطب فضيلته المشاركين في المؤتمر، قائلاً إنه ”ليس المقصود من كلمة سواء – كما فهم البعض فهماً خاطئاًخداع المسيحيين أو فرض العقيدة الإسلامية عليهم ولا حتى إدخالهم في دين الإسلام، ولم يُقْصد بكلمة سواء التدني بمستوى أدياننا إلى الوحدة المصطنعة بناء على الوصيتين، وإنما كانت محاولة لإيجاد أرضية مشتركة جوهرية موجودة، وراسخة الجذور في التراث الإبراهيمي المشترك”.

   ولفت الأنظار إلى أن كلمة سواءلا تعني استعداد المسلمين للانحراف أو الحيد قيد أنملة عن معتقداتهم في سبيل إقامة علاقات مع المسيحيين، ولا أعتقد العكــس كـــذلك، و”لنعلنها واضحة: كلمة سواء مبادرة عن السلام لا عن الاستسلام”.

   وأوضح فضيلته أنما نتحدث عنه هنا يقودنا إلى العناوين المقصودة في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر: تعاون القيادات الدينية في مجال رعاية البيئة، وهذا الباب مفتوح للتعاون الإسلامي – المسيحي أيضاً؛ نظراً لاهتمام الكنيستين الشرقية والغربية بهذا الأمر، وتعاون القيادات الدينية في مجال مكافحة المخدرات وانحراف الشباب، وفي مجال أخلاقيات الإعلام وحماية الشباب من حملات الفساد والانحلال، وهي مشكلات مشتركة تعاني منها المجتمعات البشرية، وتعاون القيادات الدينية في التوعية الصحية ومكافحة الآفات السارية والإفادة من القواعد والضوابط الدينية الإسلامية والمسيحية التي تحـــرم الزنـــا وكل أنواع الانحراف”.

    ودعا فضيلته إلى فتح أبواب جديدة لحوار الأديان والثقافات تتعلق بالتعاون في مجال التنمية البشرية انطلاقاً من الرؤى الدينية المختزنة في كل مجال من مجالات التنمية، والبحث عن دور القيادات الدينية في التفاعل الإيجابي مع هذه القضايا وتوظيف المكانة المعنوية الكبرى لهذه القيادات في رفع مستوى الحياة الإنسانية .

    و على الجانب الآخر أكد القس وليام جريج مساعد راعي أبرشية ديوسيس بكارولينا الشمالية أن مبادرة “كلمة سواء” تهدف إلى مساعدتنا على فهم اختلافاتنا بشكل بناء، كما تقدم لنا المبادرة عدداً من الفرص تسمح لنا بالعمل المشترك وكيفية تفهم ديانتينا بطريقة تتسم بالشفافية، حيث إن “كلمة سواء” تتيح لنا الفرصة للتعلم من بعضنا بعضاً بدقة لننطلق من العلم المادي إلى العالم غير المادي، مثلما تحثنا المبادرة إلى إظهار حبنا لله وحبنا للجيران بالحفاظ على القيم والأخلاق كالتربية الحسنة ومحاربة الفقر والاستكشاف العلمي، بحيث نخلص في جميع أوجه حياتنا وتصبح امتناناً لمحبة الله لنا .

    هذا وقد تناول المؤتمر عبر ست جلسات مفتوحة الأسس النظرية والتطبيقات العملية لمفاهيم ”حب الله” و”حب الجار” وانعكاسات ذلك على العلاقات بين الدول والمجتمعات في كل ما يتعلق بالتحديات الدولية مثل التنمية والبيئة وحقوق الإنسان، الأمر الذي تجاوز الأطر التقليدية لدراسة الدين والأخلاق إلى تناول التحديات المشتركة التي تواجه الإنسانية في بداية القرن الحادي و العشرين.

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions