للأعلى
26-يناير-2021

الحبيب علي الجفري ينعى الشيخة عبلة الكحلاوي

إنّا لله وإنّا إليه راجعون
فقدت الأمة عَلمًا من أعلام الدعوة والتعليم، وشمسًا من شموس المحبة والرحمة، وبابًا واسعًا من ابواب الإحسان والبِر، وهي أُمُّنا العالمة الجليلة والداعية إلى الله تعالى بِحالها وقالِها الشيخة عبلة بنت محمد مرسي بن عبد اللطيف الكحلاوي عن عمر ناهز الخامسة والسبعين
. ولدت رحمها الله في 13 صفر عام 1368 من الهجرة الموافق 15 كانون الثاني “ديسمبر” عام 1948 من الميلاد.
. سُقيت سُلاف المحبة من والدها مدّاح الرسول ﷺ الفنان محمد الكحلاوي الذي قال لأبنائه: “عرفت الله بالمحبة وأريدكم أن تعرفوه بالعلم”.
. كما كان يُشركها وإخوتها، منذ الصغر، في خدمة الفقراء، وتفقد المرضى، ومساعدة المعوزين، حيث كان له الباع الطويل، والقدْح المُعلّى في هذه الخدمة.
. تخرّجت من الثانوية العامة بتقدير مرتفع وكانت ترغب في الالتحاق بالسلك الدبلوماسي لتصبح سفيرة، فقال لها والدها “التحقي بالأزهر الشريف وكوني سفيرة الإسلام”، فالتحقت بالأزهر الشريف وتخرجت من كلية الدراسات الإسلامية.
. رشّح لها والدها ضابطًا شابًا خلوقًا من القوات المسلحة المصرية، فاستخارت الله وانشرح صدرها، وتزوجت الضابط مهندس ياسين بسيوني، وقالت عنه: “كان عصاميا وحنونا وكان هدية من الله لي”.
. واصلت دراستها بتشجيع من زوجها حتى نالت الماجستير والدكتوراة في الفقه المقارن من الأزهر الشريف، والتحقت بسلك التدريس في جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية للبنات.
. زوجها الذي أصبح اللواء مهندس ياسين بسيوني صار من أبطال حرب العاشر من رمضان “السادس من أكتوبر، وكان من الخمسة الذين سافروا إلى ألمانيا في مهمة سرية لجلب المضخات التي استخدمت في إسقاط خط برليف، وشارك في التفيذ يوم العبور العظيم، واختاره الله ليلحق بركب الشهداء تقبله الله، وهي ما تزال في ريعان شبابها.
. تحمّلت ثِقَل الصدمة وقالت عن هذا البلاء: “لولا الإيمان والصبر لفقدت عقلي لكنني عرفت، بتوفيق الله تعالى، كيف أُحَوِّل ألَم فقدان الحبيب إلى نجاح” وعكفت على تربية بناتها الثلاث مروة ورُدينة وهبة الله، وغرست فيهن الأخلاق ومحبة فعل الخير فصرن عونًا لها فيما أقبلت عليه.
. واصلت جهادها في التعليم فصارت عميدة لكلية الدراسات الإسلامية – بنات في جامعة الأزهر الشريف، ثم قضت أعوامًا تُعلِّم في جامعة “أم القري” بمكة المكرمة رئيسةً لقسم الشريعة في كلية التربية – بنات.
. تصدرت للتعليم في حلقة علم بالحرم المكي الشريف أمام الكعبة المشرفة لمدة عامين، نهل فيها من شريف علمها الكثير من الفتيات والنساء المكّيات، والوافدات على الحرم الشريف من أصقاع الأرض.
. عادت إلى مصر المحروسة وواصلت التعليم حتى تقاعدت، ثم تفرّغت للدعوة العامة والتربية والإصلاح والعمل الخيري.
. عقدت الدروس في مسجد والدها بحي البساتين على مقربة من الإمام الشافعي، واعتنت بالفقراء والمساكين في ذلك الحي.
. سجّلت العديد من الحلقات المتلفزة، وبرامج المذياع، فجعل الله لها القبول في قلوب النساء والرجال، وبثّت فيها فيض محبة الحبيب الأعظم ﷺ، وأحيت فيها سَنَنَ الورثة المحمديين في الرحمة، حتى شعر كل من تابعها بأنوار هذه الرحمة تلامس قلبه فتحرِّكه.
. شمّرت عن ساعد الجِد في العمل الخيري؛ فأسست جمعية الباقيات الصالحات، وشرعت في مجمع الباقيات الصالحات، وفرغت من المرحلة الأولى منه، وهو مكوّن من:
. دار “ضنايا” لخدمة الأطفال المُبتلين بالسرطان من القرى والنجوع البعيدة، حيث يقدم لهم العلاج والسكن والطعام والرعاية.
. دار “أمي” لرعاية مريضات الأزهايمر وخدمتهن وتطبيبهن.
. دار “أبي” لرعاية مرضى الأزهايمر وخدمتهم وتطبيبهم.
. دار الصالحات لاستضافة المطلقات والأرامل والأطفال بلا مأوى والبيوت المتصدعة.
. مستشفى لتسكين الآلام العضوية والنفسية.
. مراكز بحثية لمرضى الزهايمر و السرطان.
. دار آل ياسين للرعاية التثقيفية والتدريب، يدرّب طاقم العمل في المُجمّع.
. عيادات آل ياسين التخصصية.
. مسجد ومركز تدريب للدعاة بمختلف اللغات.
كما تُسيّر الجمعية قوافل خيرية إلى القرى والنجوع شديدة الفاقة.
. ابتلاها الله تعالى بمرض نادر يجعل سائر أعصاب جسدها تؤلمها آلامًا لا تكاد تُطاق، وكانت تبكي من شدة الألم، وهي صابرة محتسبة، لا يعلم الكثير ممن حولها بما تعانيه، لم تطوِ عن أحدٍ بشرها، ولم تُصعّر لذي حاجة خدّها، ولم يشغلها ما تكابده من الآلام عن جهادها الدعوي والخيري.
. كم أصلح الله على يدها بين متخاصمين، وكم جمعت شتات أُسر كادت تمزقها الخلافات، وكم طبّبت جرحى القلوب، وكم مسحت دمعةً لمحزون، وكم خفّفَت آلام المكلومين، وهي تلْعق آلامها بلسان الحمد، وتُطبِّبُها بإكسير التسليم والرضا.
. وقفت وقفة أرملة البطل الشهيد بشجاعة وطنية منقطعة النظير إبّان فتنة المُسيِّسين للخطاب الإسلامي، الداعين إلى التفجير والتدمير بعد سقوطهم في مصر، وهتفت وهي تبكي بكاء الغيور القوي المُحترق على وطنه: تحيا مصر تحيا مصر.
. لم تعبأ بالسِباب والبذاءة والاتهامات والأذى الذي طالها من أولئك، أصلحنا الله وإياهم، حتى بلغ الأمر مبلغ تهديدها بالقتل كما أخبرتني، ثم أعقبت بقولها: “بيهددوني بالقتل! .. الظاهر إنهم مش عارفين إنّي أرملة شهيد، وأرجو من الله أن ألحق به شهيدة”.
. أكرمها الله بشهادة الفراش، حيث لقيت ربها البارحة على إثر إصابتها بفايروس كوفيد-١٩ “كورونا المستجد”.
اللهم ارحم أمَتَكَ الأم الحنون، والقلب الرحيم الرؤوم، واللسان العَذْب، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنّة، واغفر ذنبها، وتحمّل تبعتها، واخلفها في بناتها وأبنائهم وأسرتها وأحبّتها وأعوانها في فعل الخير وفينا وفي مصر الحبيبة وفي الأمة بخَلَفٍ صالح.
ولبناتها السيدات الفاضلات مروة ورُدَينة وهبةُ الله وأبنائهم وأزواجهم ولإخوتها ولأحبتها خالص العزاء.
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا هذه واخلف علينا خيرًا منها.
© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions