للأعلى
01-يوليو-2007

لقاء مع مجلة أسرتي

داعية شاب من جيل الكبار مهموم بقضايا أمته ومتفاعل معها، اتخذ من الإخلاص منهجاً ومن العمل الدؤوب وسيلة.  أحب الناس فحفر له الناس في القلوب مكاناً.  وبالرغم من الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة الإسلامية إلا أنه متفائل إلى أبعد الحدود، لأنه على يقين أن مجد هذه الأمة وعزها قادم لا محالة.  قابلناه وفتح لنا قلبه وكان هذا اللقاء.

في البداية سألته عن دعائم بناء المجتمع المنشود

الأمة العربية تفتقر للرؤى المستقبلية والتخطيط الواضح طويل المدى

فقال إن كنا نود ونطمح في بناء المجتمع المنشود فيجب علينا في البداية أن نعيد النظر في بناء الفرد، ليس من خلال استقلاله عن مجتمعه ولكن من خلال توظيف قدراته وطاقاته الكامنة لبناء هذا المجتمع؛ وأضاف أن المتأمل في كلام الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يجد أنه حينما يخاطب الأفراد في جزئيات تتعلق بذواتهم وعلاقاتهم بما يحيط بهم من أشخاص وأشياء يستخدم كلمات مثل (أحدكم، بعضكم، منكم)، وهذا خطاب للفرد ولكن على أساس أنه جزء من الجماعة. فنلاحظ أنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل سلوك الفرد حتى في الحفاظ على صحة جسده وطريقة تفكيره وحتى صلاته في جماعة جزء من صلته بالمجتمع. وليس أدلّ على ذلك من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار..”. ومن هنا يتضح أنه حتى الصلاة أو العبادة هي جزء من نسق المجتمع، ثم يترتب على ذلك النظر لبناء الأسرة، ثم بناء المجتمع. وأكّد على أهمية أن تكون لدينا رؤية مستقبلية، وخصوصاً أن الأمة العربية تفتقر للرؤى المستقبلية والتخطيط الواضح طويل المدى. وللأسف إن أكثر تحركاتنا اليوم غالباً ما تكون قائمة على ردة الفعل أو التفاعل العاطفي أو على جس نبض الشارع والتفاعل معه، وهذا في حد ذاته لا يكفي للبناء. وأكّد على أهمية أن تكون لدينا مراكز دراسات حقيقية وليست صورية تمثل صورة تجميلية لمجتمع ما أو مؤسسة أو دولة. وأضاف أنه يعمل الآن على تأسيس مركز للدراسات الإسلامية اسمه طابة ويهدف إلى خدمة الخطاب الإسلامي، ويتكون من ثلاثة أقسام: القسم الأول دراسات وأبحاث تتعلق بما يحتاجه الخطاب الإسلامي لخمسين سنة مقبلة؛ القسم الثاني المشاريع ويهدف إلى تحويل نتاج هذه الأبحاث لمشاريع على أرض الواقع؛ والقسم الثالث الإعلام في محاولة لصياغة رؤية إستراتيجية للخطاب الإسلامي في وسائل الإعلام وتطبيقها على أرض الواقع. وأكّد أن هذا المركز يعتبر نواة تحتاج للعشرات من مراكز الأبحاث الأخرى، ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال نحو 40 ألف مركز دراسات إستراتيجية منها ما يقارب 400 مركز تدرج الخطاب الإسلامي ضمن قائمة اهتماماتها. كما أنه في الصين يفتتح مركز للأبحاث كل 36 دقيقة. و مما لا شك فيه أن منطقتنا تفتقر لذلك مع أن أول ما نزل من القرآن هو اقرأ؛ ولذلك يجب على أمة اقرأ أن تكون سبّاقة في ذلك.

سألته عن التعليم في العالم العربي ما له وما عليه، وإلى أي مدى ينظر التعليم في العالم العربي إلى الفرد على أنه استثمار بشري

المواطن المسلم أصبحت لديه حساسية مفرطة تجاه أي تغيير

أجاب ضاحكاً: أخشى أن يكون التعليم في العالم العربي لا ينظر إلى الفرد أصلاً حيث إنه لا توجد لديه فلسفة واضحة أو رؤية مستقبلية. ولكن يجب أن لا ننكر أن هناك بدايات لجهود جيدة وأمل في التغيير في سياسات التعليم وفلسفته، ولكن هناك من يرى وللأسف أنه قد حدث خلط بين هذه الجهود وبين توجهات معينة تُملى من الخارج مما شوّه هذه الجهود؛ وهذا يرجع لحساسية المواطن المسلم المفرطة تجاه أي تغيير على اعتبار أنه مفروض من الخارج أو ضمن مخطط يحاك ضده. هذه الحساسية تقف عائقاً أمام الجهود المخلصة من أجل التغيير وبالتالي تكون المحصلة أن تفرض علينا الرؤى والاستراتيجيات من الخارج. نحن في حاجة إلى رؤية في التعليم وفي السياسة وفي كل مناحي حياتنا، وليس من العيب أن نقول أننا في حاجة ماسة لإعادة النظر في مفرداتتنا ومراجعتها؛ وهذه المسألة تندرج تحت الأدب القرآني (وما أبرّئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء) والتوجيه النبوي (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم).

سألته عن سبب الفجوة بين الخطاب الديني وواقع الأمة الإسلامية، حيث إن كلام الدعاة يبشر بعز الأمة ولكن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية لا يبشر بالخير

لست قلقاً على مستقبل الإسلام ولكنني قلق على مستقبل المسلمين

فقال: أنه أكثر الناس تفاؤلاً بمستقبل هذه الأمة، لأن تفاؤله ليس نابعاً من استقراء الواقع، فحسب ولكنه يقوم على كلام خالق هذا الواقع سبحانه وتعالي ثم على كلام من لا ينطق عن الهوى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. وأضاف أنه ليس قلقاً على مستقبل الإسلام، ولكنه شديد القلق على مستقبل المسلمين، وأكّد أنه على يقين أن الله عز وجل ناصر دينه وناصر من ينصر دينه، ومتى تخلى المسلمون عن نصرة دينهم تخلت عنهم نصرة الله عز وجل، وهذا هو سبب الانتكاسات على الساحة.

سألته عن السبيل لتصحيح مسار الأمة

الأمة أحوج ما تكون إلى المصالحة وتجاوز الخلافات

فأجاب أنه ليس بالمؤتمرات والندوات وحوار الكاميرات وحدها يتم تصحيح مسار الأمة. نحن في أمس الحاجة إلى حلقات النقاش القائمة على الدراسات والأبحاث المسبقة التي ينتج عنها حوار حقيقي بين رجال الدين وأصحاب الاختصاصات. وأكّد أنه من غير المعقول أن نحاور أنفسنا فقط. وأضاف أننا في حاجة إلى أصحاب الاختصاص وإن لم يكونوا مسلمين. ثم تأتي مرحلة تفعيل نتاج الأبحاث والحوار إلى مشروعات على أرض الواقع. وأكّد أن أهم خطوة في تصحيح المسار هي المصالحة وتجاوز الخلافات بين شرائح المجتمع المختلفة، فالكل في خندق واحد ويجب على كل فرد منا أن يعي دوره الإصلاحي جيداً.

وعن علاقتنا بالآخر

قال الحبيب أننا في حاجة ماسة إلى نوع من النسبية في نظرتنا، إذ يجب أن نتخلى عن العدائية المطلقة والاستسلام المطلق. وأضاف أننا أصحاب رسالة موجهة إلى العالم فلو وضعنا هذه الرسالة نصب أعيننا استطعنا أن نتحاور مع هذا العالم ونضيف إليه ونقدم شيئاً يفيد البشرية وهذا هو أصل رسالتنا. العداوة نكوص ورجوع عن دورنا الأصلي و تنازل عن مهمتنا.

سألته عن رؤيته للمشهد العراقي وعلى من يقع اللوم في اشتداد وتيرة الأحداث هناك

المشهد العراقي هو نتاج فظيع غير مستغرب لمرحلة مررنا بها واشتركنا جميعاً فيها

فأجاب أنه يلوم نفسه أولاً، لأننا لو أردنا تقييم المشهد العراقي جيداً يجب على كل واحد منا أن يتهم نفسه قبل غيره؛ وأضاف أنه بصفته خادم للخطاب الإسلامي كان يجب عليه أن يتنبه لدور تعميق روح الأخوة والمحبة وخطورة عناصر الفرقة والشتات، ويتنبه لدوره في تقديم ما ينفع الحاكم في قيادته للمحكوم. يجب أن ننقد ذواتنا لأن لكل واحد منّا مسؤولية ومهمة يجب أن يؤديها. المشهد العراقي هو نتاج فظيع غير مستغرب لمرحلة مررنا بها واشتركنا جميعاً فيها، وبداية أي تقدم أو تحسن تكمن في إقرارنا جميعاً بذلك.

سألته عن سبيل الاستقرار في العراق

لا توجد حرب طائفية في العراق

فأجاب أن استقرار العراق قادم لا محالة، فلم يعرف التاريخ استمراراً لاضطراب؛ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على أي حال سيكون الاستقرار وما هي رؤيتنا لمرحلة الاستقرار؟ أولاً يجب أن نعي أنه لا توجد حرب طائفية في العراق ولكن هناك حرب سياسية تلبس ثوب الطائفية. يجب أن ننطلق من هذا المنطلق ونخطط لما بعد الأزمة، وينبغي أن تلم الأمة شتات نفسها وتعمل من أجل المستقبل.

سألته عن وضع الأقليّات في المجتمع المسلم في ضوء ما نسمع به هذه الأيام عن حقوق الأقباط في مصر والشيعة والتركمان والأكراد في العراق

فأجاب أنه في تاريخ الإسلام كان تعامل المسلمين مع من يعيش في كنفهم قائماً على العدل والإحسان، مما كفل لكل هذه الأقليّات نوع من الاستقرار في ظل دولة الإسلام. كما أن هذا الاستقرار شكّل وحدة تماسك في المجتمع لا يسمح بأي عبث خارجي. وعلى سبيل المثال مصر، فقد ظلت فيها بعد الفتح الإسلامي أكثرية غير مسلمة تحكم بأقلية مسلمة لمدة 800 سنة، حتى تحولت لأغلبية مسلمة. وكان أقباط مصر يشعرون بالولاء للدولة الإسلامية أكبر من شعورهم تجاه الرومان الذين يجمع بينهم الصليب. ولكن عندما غابت الرؤية وبدأت نغمة أقلية وأغلبية، وبدأت ردود الفعل و التعصبات، حدث أيضاً من الطرف الأخر ردود أفعال وتعصب، لأننا ببساطة فقدنا القدرة على استيعاب الآخر الموجود بيننا، بل إننا لم نستطع استيعاب بعضنا البعض في داخل البيت المسلم. وأكد أن الأمة عليها أن تعي أن هناك من يحيك الخطط ضدّنا ليحول المنطقة لأتون صراع. والحمد لله أن الأمة بدأت تتنبه، وبدأت تلفظ النماذج غير القادرة على قَبول التنوع.

سألته إلى أيّ مدى يفتقر الإعلام العربي إلى فلسفة إيجاد البديل

فأجاب الإعلام العربي مقصّر في آليات إحياء الأصيل، لأن الذي نتحدث عنه اليوم كبديل هو الأصيل. إن إشكالية الإعلام العربي أنه دائماً يسلّط الضوء على من يشاهد البرامج الخلاعية، ولكنه لم يشر ولو لمرة واحدة إلى من يموّل هذه البرامج وينشرها، ولم يشر أيضاً إلى الجوانب التي قصّر فيها الدعاة والمربّون بحيث يندفع الشباب لاهثاً وراء هذه البرامج.

سألته عن رحلته للدنمارك ووجهة نظره ودوافع إقدامه على هذه الرحلة التي أثارت لغطاً كبيراً بين الدعاة ما بين مؤيد ومعارض

فأجاب أن الإساءة لم تكن لشخصه ولكن كانت لدينه ولمقدساته ولنبيه، ولذلك فإنه تعامل مع الأمر باعتباره متلمساً لمسلك الإرث لهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وخادم دعوة يتوجه بها إلى من أساؤوا إليه، ولذلك كان ينبغي عليه أن يذهب إليهم، واستشهد بأن الله عز وجل أرسل نبيَّيْن أحدهما الكليم وهو من أولي العزم إلى مدعٍ للربوبية ليس متجرئاً على دين فقط، وهو فرعون. فلو تأملنا في قول الحق سبحانه وتعالى لهما (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى) نجد أن خطاب المولى يأمر رسوليه إلى فرعون بأن يقولا له قولاً ليناً، وسيّدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرض نفسه على القبائل في وقت الحج لينشر الدعوة وكان يُسبّ ويُطرد ويُكذّب، و لكنه لم يكفّ لأنه كان صاحب رسالة يريد أن يوصلها لهذا العالم.

سألته بماذا ترد على الذين هاجموا ذهابكم إلى الدنمارك

أقول لهم جزاكم الله خيراً، وما كان من هجومكم من غيرة على الدين أسأل الله أن يأجركم عليه؛ وما كان من انفعال أو عدم تثبّت أسأل الله أن يغفره لي ولكم. وأضاف أن القضية ليست اختلافاً أو اتفاقاً إنما هي قضية خدمة. واستطرد قائلاً إنه لم يذهب ثلاثة إلى الدنمارك منفردين شاذين عن مجتمع العلماء والدعاة كما تم نشر وتصوير ذلك زوراً، ولكن ذهبنا بتوجيه وبعد مشاورة وتأييد وموافقة من كبار علماء الأمة مثل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، المرجع والمفكر الإسلامي، والشيخ عبد الله بن بيه، نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين، والشيخ علي جمعة، مفتي مصر، والشيخ أحمد حسون، مفتي سوريا. وأكّد أنهم لم يذهبوا كمفاوضين ولكنهم ذهبوا كمحاورين.

سألته عن نتائج الزيارة

فأجاب أن النتائج فاقت المتوقع، فقد أدّت الزيارة إلى أن مجلس الشباب الدنمركي أصبح متفهماً لموقف المسلمين. بعد ذلك نظمّت مؤسسة طابة في أبوظبي ملتقى حوارياً آخر تحت رئاسة المرجع الإسلامي المعروف العلامة د. محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله ومباركة مفتي مصر العلامة د. علي جمعة والمرجع الإسلامي العلامة د. عبد الله بن بيه وعدد من كبار علماء المسلمين. وقد شارك فيه عدد من الشباب الأكاديميين المسلمين وأكثرهم من الغربيين مع عدد من الشباب الأكاديميين الدنمركيين. وكان التركيز فيه على المنحى الثقافي للمشكلة واختارت المؤسسة المنظمة تجنب الضجة الإعلامية تحاشياً للصراع الذي تعيشه بعض التيّارات الإسلامية من أجل قيادة الشارع. وكان هدفنا هو الوصول إلى نتائج عملية نتجنب فيها ما حدث من إثارة للخلاف حول الحوار الأول، وقد كان. وأضاف أن النتائج كثيرة جداً ولكن الأهم، أنه أصبح هناك شريك داخلي في الدنمارك من غير المسلمين يتصدى لكل من يتعدّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا متمثل في مجلس الشباب الدنماركي الذي يعد المظلة الكبرى لمنظمات الشباب الدنمركي حيث ينضوي تحتها أكثر من ثمانمائة ألف شاب.

سألته عن مفهوم المرجعية في الإسلام ومدى صلاحيتها وقابليتها للتنوع

فأكّد على ضرورة وجود المرجعية والإيمان بالتخصص؛ ومن يقول أن الفتوى كلأ مباح لكل من أراد أن يفتي فقوله هذا تخريب للدين. إن المرجعية عندنا تختلف عن مرجعية بعض الملل الأخرى، أي أنها ليست كهنوتية، فالمرجع لا يعتبر كلامه إخبار مطلق عن الرب، ولكنه اجتهاد في فهم كلام الرب وأحاديث الحبيب صلى الله عليه وآله وسلّم. أما مسألة التنوع فهي أمر عظيم و رحمة كبيرة، وهي من أهم معالم ديننا، والتنوع في المسائل الفرعية ليس خطأ ولا تشتيتاً. ولولا وجود التنوع لما استطاعت الشريعة أن تستوعب التنوع البشري.

مرّ اللقاء سريعاً مع الحبيب علي الجفري، وخرجت وأنا أحمل في ذهني صورة متميزة للداعية الإسلام

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions