للأعلى
01-يوليو-2002

لقاء صحيفة التصوف الإسلامي المصرية

الشيخ علي الجفري من كبار الصوفية العاملين المخلصين السائرين في طريق الله – عز وجل – الذين يقومون بدور كبير في حقل الدعوة الإسلامية ونشر التصوف الإسلامي وربط قلوب المسلمين بالله ليس في البلاد العربية فحسب بل على مستوى العالم كله فالشيخ له سفرياته إلى بلاد الشرق والغرب وله حضوره الفاعل في المؤتمرات والمنتديات الدينية أصلح ما بينه وبين الله فأصلح الله ما بينه وبين العباد.. أتباعه ومريدوه منتشرون في كل مكان ينتظرونه بشوق وشغف ليستمعوا إلى علمه وفقهه وكلامه قريب الصلة بالله – سبحانه وتعالى – وقد حاز الشيخ الجفري إعجاب الناس في كل مكان ذهب إليه وفي مصر التف حوله المصريون وأحاطوه بكل مظاهر التقدير والاحترام وهذا شأن المصريين مع أولياء الله وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.  مجلة التصوف التقت بالشيخ الجفري وغاصت في بحر علمه وناقشت بعض قضايا التصوف والدعوة الإسلامية والتحديات التي تواجهها وكيفية خروج العالم الإسلامي من أزمته الراهنة والنهوض من جديد ودور الصوفية في تلك النهضة والتصدي للمخاطر التي تهدد المسلمين.

من المؤكد أنكم لاحظتم خلال زياراتكم إلى دول الغرب الاهتمام الكبير بالتصوف في هذه البلاد.  ما أسباب اهتمام الغرب بالتصوف؟

الواقع يثبت أن أنجح من يتحرك في العمل الدعوي في دول الغرب هم أهل التصوف القائم على الفهم الصحيح الملتزم بالآداب الشرعية والمتخلق بالأخلاق النبوية لشدة تعطش المجتمع الغربي إلى الخطاب الروحي لأن هذا المجتمع تفوق على غيره في الجوانب المادية التي يمكن تسميتها بحضارة الخدمات لكنه يفتقد للحضارة الإنسانية بعمقها الروحي فبمجرد أن يجد أبناء الغرب صوت المخاطبة الروحية التي ترتبط بالحق ولا تنقطع عن واقع الحياة بمقتضياتها فإنهم يتهافتون عليه لذلك فإن أنجح من يقوم بنشر الإسلام في الغرب هم الصوفية وهذا ليس بجديد على أهل التصوف لأنهم في السابق قاموا بهذا الدور في الشرق وبالتالي فمن السهل أن يقوموا بنفس الدور في الغرب.

 لماذا تهتم الجامعات الغربية أيضا – خاصة أقسام الفلسفة – بالتصوف؟

بسبب العمق والبعد الراقي الذي يخوض فيه أهل التصوف في مجال الخطاب عن الروح الإنسانية غير المنفصل عن واقع الحياة فالغربيون يتحدثون عن فلسفة بعض الأديان الأخرى ويجدون أنها تفصل بين واقع الحياة وبين الروح في الإنسان فإذا ما تم الكلام عن الروح فكأنه لا حياة وإذا دخلوا إلى الحياة فكأن لا روح ، بينما التصوف في ديننا يجعل الروح متصلة بالحياة والواقع فيما يتعلق بالمعاملات والطعام والشراب والزواج والعلاقات بالآخر فمنهج التصوف يتميز بأنه منهج عملي يعيش في واقع الإنسان وحياته والمتأمل في تاريخ التصوف الإسلامي يجد أن رايات الاقتصاد الإسلامي أيام ازدهاره كان الذين يحملونها هم أئمة التصوف الإسلامي وكانت ألقاب الكثيرين منهم تشير إلى هذا كالبزار والخراز وغير ذلك من المهن التي كانوا يمتهنونها وكانوا في نفس الوقت رواد المد الدعوي وكذلك الجهاد الذي يقوم على قواعد راسخة متينة كانوا هم قواده مثل الإمام أبي الحسن الشاذلي في مصر الذي كان يحمل راية الجهاد وكان في فسطاط القيادة أثناء المعارك ضد الصليبيين والتي أسر فيها لويس التاسع في دار ابن لقمان بالمنصورة فالغربيون وجدوا في التصوف ضالتهم لأنه يجمع بين الروح وواقع الحياة.

رغم أن أوروبا متشوقة جدا للإسلام وللتصوف لكن لا توجد دعوة منظمة من المؤسسات الإسلامية والصوفية لنشر الإسلام.  هل شعرتم خلال جولاتكم في أوروبا أن المسلمين يعدون العدة لنشر دينهم بطريقة منهجية؟

هناك تقصير كبير في هذا الجانب ومفتاح تدارك هذا التقصير هو تصحيح بنية العمل الدعوي والصوفي في مجتمع الصوفية وهذا المجتمع يتميز بأن جانب المنهجية والنظام فيه لم يقم على أسس تخطيطية عقلانية فحسب فقد كانت المنهجية والترتيب والإعداد في العمل الصوفي نتاجا تلقائيا لصحة مسلكهم مع الله – سبحانه وتعالى – فلما صح مسلكهم مع الله أثمر تلقائيا منهجية العمل الذي قاموا به وكانت الثمرات تفوق أضعاف ثمرات الذين خططوا في الجانب الآخر من غير المسلمين ونظموا ورتبوا وقد ذكر منصر فرنسي في مذكراته أن أكبر مشكلة كانت تعترضهم في أدغال أفريقيا كانت من أحد رجلين إما رجل يقال أنه من آل محمد أو رجل ينتمي إلى التصوف يقول كنا نقيم معسكرا لإبعاد الأفارقة عن الإسلام لمدة ستة أو سبعة أشهر ونقدم لهم الطعام والماء والخدمات والرعاية الطبية وغير ذلك حتى نكاد نحقق هدفنا في إبعادهم عن الإسلام ثم يأتي واحد من هؤلاء الرجلين فإذا رأوا رجلا من أهل محمد أحيا  في قلوبهم الارتباط بمحمد وذهبت جهودنا أدراج الرياح في ليلة واحدة وإذا التقوا برجل من أهل التصوف – درويش – وصاح في المعسكر الذي أقمناه الله حي الله حي فيفسد في ليلة عمل سبعة أشهر.

ماذا تقترحون حتى يحقق الصوفية ذلك الآن؟

لابد أن يعود البيت إلى الأصول التي وضعها مشايخنا ومنهجهم في التربية والتي يترتب عليها تقوية الصِلات في ما بيننا وفقه المقاصد التي من أجلها أقيم الطريق مما يجعلنا ننطلق – ولا ننحصر في دوائرنا المحدودة – إلى سعة الدين والدخول في واقع الناس والتعامل معهم.

رغم الاهتمام الكبير من جانب الغربيين بالتصوف إلا أنهم يعملون في نفس الوقت على تشويه صورة الإسلام  فبماذا تفسر هذا التناقض؟

الغرب مجتمعات كبيرة وشعوب متعددة فيها السيئ وفيها الطيب وفيها الصادق والمغرض كسائر الشعوب الأخرى والمغرضون هم الذين يعملون على تشويه الإسلام أقل مما نتصور فالشعوب الغربية لا تَكنُّ عداوة للإسلام بل إن غالبية الغربيين لديهم قابلية للإسلام أكبر مما نتصور  للإسلام باستثناء بعض المنتسبين لتوجهات وتيارات محددة ولنكن صادقين وصرحاء فلولا  الخلل الموجود فينا وسوء التصرف لدى البعض منا لما أستطاع هؤلاء المغرضون أن يشوهوا صورتنا أو صورة ديننا عند بقية المجتمعات الغربية … لابد أن ننتقد أنفسنا نقدا صحيحا أما من يعادينا في الشرق والغرب فلا ننتظر منهم أن يحسنوا إلينا وإلا كنا سذجاً لا نفقه شيئاً خاصة وإن نقاط الضعف التي استغلها أعدائنا موجودة بالفعل فينا وأذكر أنه في أحد المؤتمرات    في كندا قام شاب – يريد أن يخدم الإسلام لكن بغير استبصار وبدون فهم – وقال إن شاء الله سوف نفتح هذه البلاد وسنسبي نسائهم  وسنأخذ رجالهم أسرى وستفتح لنا خزائنهم. مثل هذا عندما تنقله وسائل الإعلام في الغرب فهل نتوقع أن تكون هناك استجابة لدعوة الإسلام ؟

 

ولولا وجود نماذج جيدة من أهل  التصوف وغيرهم في تلك البلدان لما تقبل الناس الإسلام بسبب التصرفات الرعناء التي تصدر عن بعض الذين لم يفقهوا سعة منهج الدعوة في الإسلام.

التصوف هو الآخر يعاني من تشويه صورته وبعض السلوكيات السيئة التي تنسب إليه من شعوذة ودجل وغير ذلك.  كيف نواجه هذا كله؟ ونقدم الصورة الحقيقة للتصوف؟

الأدعياء ليسوا جديدين على التصوف والمجتمع الصوفي وكل منهج راق لابد أن يوجد من يحاول الانتساب إليه لتحقيق أغراضه حتى بالنسبة للفقهاء نجد أن منهم من باعوا ذممهم في الفتوى من أجل المال وفي المحدثين هناك من وضع الحديث على رسول الله وهذا معروف في علم الجرح والتعديل عن الذين يكذبون ويضعون الحديث أيضا هناك من المفسرين من شذ ونقل في تفسيره الإسرائيليات دون تفنيد لها وأيضا في علم التوحيد هناك بعض المتكلمين من عطل صفات الله – عز وجل – ومنهم من جسم هذه الصفات ولا يوجد علم في علوم الشرعية الشريفة توحيدا وفقها وتفسيرا وأصولا وحديثا وتصوفا إلا ودخله الأدعياء الذين ليسوا من أهله و لم يستطيعوا الاضرار بأصل الخيرية فيه وهذا لا يعيب التصوف نفسه وإنما العيب في الأدعياء وأدعوا الصادقين في المجتمع الصوفي إلى أن ينهضوا وأن يخدموا التصوف على النحو الصحيح حتى يضمحل الأدعياء ((وقل جاء الحق وزهق الباطل)) فبمجرد مجيء الحق يزهق الباطل ((إن الباطل كان زهوقا)) وأن ينشروا العلم الشرعي فيما بينهم حتى لا يتمكن الأدعياء من دس سمومهم في المجتمع الصوفي لأن طريق القوم كما ذكر الإمام القشيري وغيره قائم على العلم في أساسه ولا يصلح للتصوف من لم  يتلق ما يجب معرفته من الدين بالضرورة وفي ذلك يقول الإمام مالك كما نقل عنه القاضي عياض (من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق  ومن جمع بينهما فقد تحقق).

من الاتهامات التي توجه للتصوف والمتصوفة السلبية والتواكل فهل الصوفي بالفعل سلبي ومتواكل؟

تاريخ التصوف يثبت خلاف ذلك فما من راية جهاد من أجل الحق إلا والصوفية هم قادتها ومن من راية بيع وشراء واقتصاد إلا والصوفية هم أئمتها وما من راية علم من العلوم إلا وللصوفية الباع الطويل فيه فالحفّاظ والفقهاء أغلبهم من الصوفية والمتصلين بهم وإذا نظرت في مقدمة شرح الإمام النووي على صحيح مسلم لوجدته عندما يذكر سنده في رواية صحيح مسلم إذا أراد أن يمتدح أحد مشايخه أو شيوخ شيوخه ينعته بالصوفي ولو قرأت [سير أعلام النبلاء للإمام الحافظ الذهبي] لوجدته ترجمة لأئمة التصوف ضمن أئمة الإسلام و[صفوة الصفوة لابن الجوزي] عمدته على الصوفية فيما يأخذ به.  المشكلة التي نعانيها افتئات  من لم يتفقه ولم يتلقى العلم بسند عن رجاله على مجال البحث وتجرئهم عليه وانتشار والجهل بين من ينتسب إلى التصوف ولو عملنا على نشر العلم والالتزام بين من ينتسبون للتصوف لما استطاع أحد ان يقدح فيه لأنهم سيجدون من يرد عليهم.

ذكرتم أن المتصوفة هم الذين نشروا الإسلام في بقاع عديدة من العالم فهل يستطيعون القيام بهذا الدور في الوقت الحاضر؟

لا يزال للمتصوفة دور في الغرب والشرق في هذا الصدد وفي اندونيسيا الحركة الدعوية القوية الموجودة الآن يقودها أهل التصوف  على الرغم من الحملات الموجهة ضد هذا البلد وقبل سنوات كنا في زيارة لإندونيسيا وذهبنا إلى قرية و قيل لنا إن هذه القرية  تنصرت كلها بعد حملة عليها استمرت سبعة أشهر لكن في ليلة الجمعة بعد أن تنصروا فوجئ المنصّورون أن أهل القرية ارتدوا الثياب البيضاء فسألوهم إلى أين ؟ قالوا إلى المولد – في كل ليلة جمعة كان هناك احتفال بالمولد النبوي في المسجد – فقالوا لهم وما شانكم أنتم بالمولد بعد أن غيرتم دينكم؟ قالوا نعم غيرنا ديننا لكن هذا حبيبنا..!! فالتصوف نشر الدين بالحب ووجود هذا المعنى كان سببا في عودة القرية كلها إلى الإسلام مرة أخرى وفي تحرك الدعاة إليها وتثبيتها فلا يزال التصوف هو حامل راية الدعوة في إندونيسيا وأفريقيا  بدولها المختلفة والتصوف هو صمام الأمان في حفظ الدعوة في الوقت الذي قصر فيه المسلمون كثيرا في خدمة إخوانهم من أهل الدين.

ذكرتم أن هناك أدعياء للتصوف فمن هو الصوفي الحقيقي من وجهة نظركم؟

هذا ذكره أهل الله وقالوا أن الصوفي الذي صفا قلبه وخلا عما سوا الله – عز وجل – ولعل التعريف الجامع للصوفي أنه هو الذي تحقق بمقام الإحسان أي أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه والولي هو الذي يجمع بين أدب الاستقامة على الشريعة وبين ذوق روح الحقيقة ولهذا كان سيدي أبو يزيد البسطامي قد ارتحل الى بلدة ليلتقي فيها أحد المنسوبين الى الولاية وواعده بالمسجد فلما أقبل ذلك الرجل وأدركته النخامة فتنخم إلى جدار المسجد حمل أبو اليزيد رداءه وانصرف ورفض لقاءه ولما سئل عن ذلك قال: إن الذي لا يؤتمن على أدب من آداب النبوة لا يؤتمن على أسرار الولاية.

كيف نعمل من أجل القضاء على الخلافات بين المذاهب الإسلامية؟ والتقريب بين السنة والشيعة؟

حتى يتحول التقارب من عبارات فضفاضة وخطب رنانة إلى واقع ينبغي أن توضع له أسس أولاً بيننا نحن أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية اعتقاداً وأتباع المذاهب الأربعة فقهاً وإتباع التصوف سلوكاً فهذه هي الخطوة الأولى من أجل التقارب لأنه إذا أقيمت قواعد التقارب بينهم، وإذا ما تمت خدمة منهجهم على وجه صحيح فإنهم يستطيعون بعد ذلك أن يمدوا جسراً إلى غيرهم والتقارب بيننا وبين الشيعة، وإذا أراد الشيعة أن يكون التقارب حقيقة واقعية صحيحة فعليهم أن يقوموا بخطوتين:

 

الأولى أن يكفوا عن تجريح مشاعر أهل السنة والجماعة في ذم الصحابة وهذا ليس من أسس مذهبهم وإلا لكان لنا نظر فيه.

 

والثانية الكف عن محاولاتهم من أجل تحويل السنة إلى شيعة وكثير من الشيعة يجهلون مذهبهم وكذلك أهل السنة كثير منهم يجهلون مذهبهم ولذلك يجب أن يشتغل الشيعة بتعليم وتفقيه أتباعهم بمذهبهم وأن يشتغل أهل السنة بتعليم أتباعهم وتعريفهم بمذهبهم بدلاً من أن يحاول كل منا أن يتخطف أتباع الآخر لأن هذا يثير في النفوس ما يثيرها ولو توقفنا عن استغلال نقاط الضعف لدى بعضنا البعض لنفترس من نستطيع ونحوله إلى فقهنا لكان ذلك أدعى إلى تحقق التقارب وواقع العالم الإسلامي يدعوا إلى هذا لأن أعداءنا اتحدوا علينا فمن العيب ألا نتحد، هم اتحدوا على الباطل ومن العجز ألا نتحد نحن على الحق الذي يجمعنا.

بعد أحداث سبتمبر بدأت أمريكا وبعض دول الغرب تتدخل في شئون العالم الإسلامي وتطالب بتغيير الخطاب الديني وتبديل المناهج الإسلامية وغير ذلك وهذا يثير التساؤل ما مستقبل الدعوة الإسلامية في ظل هذه الأوضاع؟

نحن الذين جعلنا هؤلاء يتدخلون في شئوننا ومن العجز أن نلقي أخطاءنا على أمريكا أو غيرها ومن السذاجة أن ننتظر من الغير أن يصلح من شأننا وأن يحترمنا وإنما يجب أن نقيم البنية الصحيحة في ذاتنا نحن، وأن نبحث عن الأخطاء وجوانب الانحراف لدينا ونعمل على تقويمها وعندئذ لن يجرؤ أحد أن يتدخل في  شؤوننا ولن يجد مجالاً لهذا التدخل.

أما بالنسبة لمستقبل الإسلام فلا قلق في قلوبنا عليه، والنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: (( زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وأن ديني سيصل إلى ما زوي لي منها والذي نفس محمد بيده لن يبقى على وجه الأرض بيت شعر أو وبر أو مدر أو حجر إلا ودخله ديني بعز عزيز أو بذل ذليل ))، وبالتالي فلا قلق على الإسلام فالدين قائم ومنصور لكن وجه القلق الذي عندنا هل سيرتضينا الله في خدمة هذا الدين أم لا وهل سنؤدي الذي علينا في خدمته حتى إذا وقفنا بين يدي الله غداً يكون لنا وجه في الخطاب مع الحق وإذا قابلنا المصطفى يكون لنا وجه في مخاطبته أم لا.

لكن كيف نقوّم هذا الاعوجاج الموجود لدى المسلمين حتى يقوموا بدورهم ويرتضيهم الله لخدمة دينه؟

هذا يتطلب ثلاثة أمور: الأول: أن يبحث كل منا فرداً كان أو جماعة أو توجهاً أو دولة عن جوانب التقصير الموجودة فيه قبل أن يفكر في جوانب التقصير والنقص في الآخرين ويقوّم اعوجاجه هو قبل أن يطالب الآخرين بذلك.

والثاني: أن نقيم أدب حسن الظن في الآخرين والكف عن تتبع مساويهم .

والثالث: أن نعيد الارتباط بالسند علماً وتربية وسلوكاً في الأمة وأن يعود العلم إلى طريقة تلقي التلميذ عن الشيخ والشيخ عن آخر حتى نصل بالسند إلى الحبيب – صلى الله عليه وآله وسلم – نصاً وفهماً للنص واستيعاباً وكذلك السلوك والسير إلى الله والتربية – التي أضاعتها الأمة – لابد أن نعيدها حتى ننهض مرة أخرى.

أثارت المقاومة الفلسطينية جدلاً حول مفهوم الجهاد وتحول الجهاد إلى إرهاب وكذلك مقاومة المحتل تعتبرها أمريكا إرهاباً كيف نقدم مفهوم الجهاد ونؤكد أنه لا يرتبط بالإرهاب؟

تمكن أعدائنا منا وتدخلهم في شؤوننا ومنها الجهاد يرجع إلى جوانب التقصير عندنا وإذا أعدنا بناء ذاتنا بطريقة صحيحة لما استطاع أحد مهما بلغ من قوة أن يؤثر فينا لابد أن نخرج من عقدة تعليق أخطائنا على الغير فالعدو عدو وإذا توقعت من عدوك أن يساعدك فأنت مغفل والإشكال ليس في العدو وإنما فيك أنت. الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: (( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها.. )) وفي النهاية أحال الأمر علينا نحن (( يلقى في قلوبكم الوهن حب الدنيا وكراهية الموت )). وهذه هي المشكلة التي أصبنا بها وسبيلنا للتخلص من تسلط أعدائنا وتشويه صورتنا وجهادنا وحضارتنا واقتصادنا والتخلص من الحالة الانهزامية التي نعيشها، أن ننتهي عن حب الدنيا وكراهية الموت وهذا مهمة أهل التصوف لهذا فإن نهوض التصوف معناه نهوض الأمة كلها أما بقاء أهل التصوف على ما هم عليه يعني تأخر الأمة كلها.

هناك فئة من الفلسطينيين أحبت الموت وكرهت الدنيا وتقوم بعمليات فدائية لكن البعض يشككون في هذه العلميات ويصفونها بأنها علميات انتحارية وليس استشهادية فما رأي فضيلتكم في تلك القضية؟

بلغني أن شيخ الأزهر أفتى بأن هذه العلميات هي استشهادية وليست انتحارية ولا نستطيع أن نساوي بين رجل قتل نفسه لحالة اكتئاب ويأس وقنوط من رحمة الله برجل قتل نفسه نكاية في عدو فمن المحال المساواة بين الحالتين مع أن الأمر ليس على إطلاقه.

من وجهة نظركم لما ذا يتهم الغرب الإسلام والمسلمين بالإرهاب؟

هذا أمر لا يخفى على أحد فمن المعروف أن أعداء الإسلام يريدون أن ينالوا من الإسلام فيبحثون عن سقطات المسلمين ليصنعوا منها وسيلة لضرب الإسلام لكن السبب الحقيقي في ذلك يرجع إلى تقصيرنا نحو هؤلاء الأعداء.   يقول أهل علم الاجتماع: الإنسان مخلوق اجتماعي بمعنى أنك عندما تجلس إلى آخر إذا تكلم هو تستمع وإذا تكلمت سيستمع هو ، للأسف نحن سكتنا ولم تُعرض بضاعتنا عليهم متمثلة في الدعوة إلى الإسلام ولذلك تكلموا هم وعرضوا بضاعتهم، نحن الذين قصرنا في توصيل الدعوة إليهم بكلامنا وبسلوكنا أما هم فلم يقصروا في توصيل السوء الذي عندهم.

الأقليات المسلمة تتعرض للاضطهاد خاصة بعد أحداث سبتمبر واتهام المسلمين بأنهم هم الذين دبروا هذه الأحداث ما واجبنا في الدفاع عن هذه الأقليات؟

مهمتنا الآن أن ننشر التعليم الشرعي الصحيح بين أبناء الأقليات والتربية السليمة التي تربط القلوب بالله -عز وجل- وإذا تحقق هذان الأمران سيظهر الله العجائب في مجتمعات الأقليات المسلمة في الهند على سبيل المثال حتى القرن الماضي كانت السطوة والسيادة للمسلمين ثم انقلب الميزان لما شغل المسلمون بغير مهمتهم وهي مهمة التعليم والسلوك والدعوة إلى الله ولو تم إحياء هذا مرة أخرى وتركنا السفسطائيات التي تثار اليوم بين المسلمين باسم الإسلام والعقيدة والتوحيد ونبذ البدع والشرك وغير ذلك لو تخلصنا من هذه الفتن التي تثار بيننا لتنبهنا إلى مهمتنا، والدعاة يقع عليهم القدر الأكبر من المسؤولية أمام الله في التردد على المواقع التي توجد فيها الأقليات المسلمة حتى يقوموا بمهمتهم في النهوض بها.

في ظل هذه الأوضاع اتهامات للإسلام والمسلمين من الخارج وصراعات وخلافات في الداخل ما الذي يستطيع أن يفعله المتصوفة لتخفيف معاناة المسلمين؟

الصوفية يمكنهم أن يفعلوا الكثير لأن بيدهم زمام التربية ومخاطبة القلوب وربطها بالله، وتخليصها من أصل المرض الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم (حب الدنيا وكراهية الموت) ونهوض أهل التصوف وفقههم لعظمة مهمتهم وخروجهم عن الانحسار والمفاهيم الضيقة لمعنى الارتباطات التي تقوم فيما بينهم وبين أتباعهم وسموهم إلى سعة المقصد العالي يترتب عليه شيء كبير في الأمة.

ما الجانب الشرعي ودليل الصوفية عن حقيقة التوسل والوسيلة؟

التوسل أمر ثابت في الشريعة ولا شك أن النصوص في ذلك واضحة كحديث الترمذي والبيهقي والحاكم الصحيح حديث عثمان ابن حنيف وفيه تعليم النبي صلاة الحاجة التي فيها توسل ظاهر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إني أتوسل إليك وأتوجه إليك بالنبي محمد نبي الرحمة يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم إني أتوجه بك إلى الله في أن يكشف عن بصري اللهم شفعه في بجاهه عندك وقد عملها عثمان ابن حنيف لصاحب حاجة في زمن عثمان ابن عفان أي بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والتفريق بين الحي والميت في التوسل هو الذي يضر العقيدة لأن فيه اعتقاد تأثير الحي بذاته وليس بمنزلته عند الله فالمنزلة لا تتأثر بالموت والواسطة ثابتة في الكتاب والسنة ولو لم يكن إلا حديث الشفاعة في البخاري وغيره لكفى.

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions