للأعلى
30-سبتمبر-2009

المصري اليوم تحاور الداعية الحبيب علي الجفري بعد ٧ سنوات من الإبعاد عن مصر (١-٢)

    كل ما تراه فى مصلحة البلد والدين…. الفقير خادم فيه..

     كلمات بسيطة… تناسبت مع الجلسة «عربية الطابع»… وجلسته المميزة التى يتكئ فيها على «نصف ركبة»

     وليعلن بهذه الكلمات أن حواره مع «المصري اليوم» لن يقف عند خطوط حمراء

      وليخرج الرجل عن صمته بعد ٧ سنوات من الإبعاد عن مصر

     شخص مثير لجدل كبير لا يبحث هو عنه

تتناقل وكالة أنباء فارس الإيرانية خبر تشيّعه

ولا يتوقف رموز وأتباع مدرسة الفكر الوهابي والسلفي عن تكفيره

كما أنه يرفض إقحام الدين في السياسة،…. ويرى أن الدور الرئيس للدعاة ورجال الدين الإسلامي في «التوضيح والترشيد»، وفي تعليم السياسى ما يفيده من الدين في سياسته.

    إنه الداعية الإسلامي الحبيب علي زين العابدين الجفري،

   الذي تناول في الحلقة الأولى من حواره مع «المصري اليوم» سنوات الإبعاد ومعارك التكفير، وقال إن لديه أمنيات ثلاثاً، كان يرجو من الله تعالى تحقيقها قبل وفاته، أولاها العودة مرة أخرى إلى مصر، التي أكد أنها تمت بدون شروط، نافياً أن تكون حاجة مصر إليه للتصدي لتيارات التطرف هي السبب وراء السماح بعودته، مشيراً إلى أن مصر أكبر من أن تحتاجه وفيها الثُّلة الصالحة من علماء الأزهر.

      وكشف الجفري في الحوار الذي استمر ما يزيد على ساعتين، خلال وجوده فى مصر، عن وجود تيار داخل المدرسة الوهابية يتبنى مراجعات منهجية، وعلى الرغم من أنه أبدى عدم رغبته فى تقييم جماعة الإخوان المسلمين إلا أنه اكتفى بذكر كلمات لمؤسس الجماعة الإمام حسن البنا، والتى قال فيها: ” لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما أقحمتُ الجماعة في السياسة ولأبقيتها على التعليم والتربية والمأثورات”.

     ويوضح الجفري في حواره أن معركته ليست مع “الوهابية” أو “السلفية”، وإنما مع الأسباب التى أفرزت التطرف والإرهاب، معلناً رفضه التام لاستغلال الدين فى السياسة، وهو ما وصفه قائلاً: ” إن استخدام الدين كجزء من اللعبة السياسية قد أصبح مزعجاً ومؤذياً”. و مضيفاً أن “القاعدة والساسة اليوم قد اختطفوا الدين، فجعلوه مطية لكثير من الاستراتيجيات والآليات السياسية، وفى نفس الوقت بعد أن يستخدموه يشتكون منه، فجعلوه وسيلة لما يريدون بداية ثم جعلوه شماعة لتعليق أخطاء العالم الموجودة اليوم”.

وإلى تفاصيل الحوار…

 ما شعورك بعد عودتك إلى مصر؟

قلبي يحن إليكِ يا مصر الهُدى

 الشعور الذي كان ينازل القلب عند وصول أول خبر بتيسير الرجوع إلى مصر أو الإذن بذلك، ثم عند ركوب الطائرة، ثم عند هبوطها على أرض مصر، ثم عند وضع القدم عليها، ثم الدخول إلى ساحة سيدى أبى عبدالله الحسين.. لا أستطيع أن أجد كلمات، رغم أن اللغة العربية استطاعت أن تحمل كلام الله سبحانه وتعالى، لكنى أعجز عن التعبير بها عن مشاعري لحظتها، إلا أنه خطر فى بالى عندما كنت في الطائرة ما كان سابقاً عندما ذهبت إلى المغرب، ومررت فى سماء مصر؛ فتذكرتُ الأبيات التى نشرتموها من قبل وبدايتها: «قلبي يحن إليكِ يا مصر الهُدى»، لقد تذكّرتها واسترجعتها واستشعرت أن الله عز وجل أكرمني، وربما لا أكون مبالغاً إذا قلت إن الفقير له أمنيات ثلاث قبل الوفاة كنت أرجو من الله تعالى أن يحققها، أولاها زيارة مصر مرة أخرى.

 وما الأمنيتان الأخريان؟

 الصلاة في بيت المقدس وقد حُرر، وأحتفظ بالثالثة.

 بالنسبة للأمنية الثانية وهي «الصلاة فى بيت المقدس بعد تحريره»؛ هل تشعر بأن ذلك قد يحدث فى حياتك؟

 لا أستبعد ذلك أبداً، بل أعمل على ذلك بما أستطيعه مع تقصيري وعجزي، وما قذفه الله في القلب من فهم لكيفية العمل على ذلك، من جهة الثغر الذي أحاول العمل عليه، فهناك ثغور كثيرة نحتاج إلى العمل عليها، أولها أن أكون صادقاً مع نفسي، وفي معاملتي مع الله وفيما أقول وأتعامل به مع الناس، لأني أعتقد أن أحد أسباب التأخر عن تحقق هذه الأمنية في الأمة هو أن قيمة الصدق في صفوف المسلمين اليوم لم تعد كما كانت عليه في الأصل، بل حتى، ويؤسفني أن أقول ذلك، أن قيمة الصدق في الدول التى قد نعيب عليها من التى يسميها البعض متقدمة أو قد ننتقد فيها بعض الأشياء التى لا تتناسب مع ثقافتنا وقيمنا- عندهم أكبر بكثير من قيمتها عندنا الآن، وهذا أحد أسرار قوتهم، وإن كان فيهم الكثير ممن يكذب، لكن الكلام هنا عن قيمة الصدق وعن ثقافة أهمية الصدق.

    ولهذا أعتقد أن أول خطوة نحو تحرير القدس هي إحياء قيمة الصدق فى نفوسنا وقلوبنا، ثم تكون الخطوة الثانية في الصدق والجدية في تقليص حظوظ أنفسنا عما نقوم بعمله في أيامنا وليالينا، فقصر النظر إلى المكاسب الشخصية الضيقة هي التي أخرت كثيراً من قضايانا، وقمة الهرم فيما يُعمل عليه لإستعادة القدس تكون في إحياء حقيقة المعاملة مع الله تعالى على وصف الإخلاص، وإحياء الأخلاق النبوية فى التعامل مع الخلق، فالإخلاص في التعامل مع الخالق وإحياء الخُلُق النبوي في التعامل مع الخلق، إن عملنا على إحيائه فينا سيترجم تلقائياً إلى نهضة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وعلمية وتقنية في مختلف الجوانب.

 هل هناك شروط لعودتك إلى مصر؟

 لم يُشترط علىَّ شىء، وهذا بصدق، بل إننى سألتُ: هل فى مجيئى إلى مصر ما هو ممنوع أو ما هو مسموح؟ فقيل لي: إن مثلك ليعي ما هو مفيد فيما يقول، لكن ينبغي أن تكون المحاضرات من خلال القنوات الرسمية فقط، فعلى سبيل المثال إذا أردتَ أن تلقي محاضرة أو أن تخطبَ في مسجد فلابد أن يكون هذا مسبوقاً بتصريح من وزارة الأوقاف، وهذا الطلب ليس فيه أدنى خطأ، ولأني تعلمتُ أن أعمل عليه في عدد من الدول الأخرى التى أزورها، ثم كانت إجابتي أن هذا ليس بشأني، فقد اعتدتُ أن الجهة الداعية في أى بلد أدخل إليه هي التي تقوم بالترتيبات المتعلقة بالتصاريح، وفيما عدا هذا الأمر لم يُشترط علىَّ شىء.

هل طلبت العودة إلى مصر أم كانت هناك تدخلات؟

 قلبي في كل حين يحنُّ إلى الرجوع إلى مصر، ولمّا لم أتبين لماذا أُخرجت؛ لم يكن من المروءة أن أطالب بالرجوع، إلا أن سيدى الوالد حفظه الله قدم استفساراً هنا، وسأل الجهات المعنية: لماذا مُنع ابني من الدخول؟ فتوجهوا بالسؤال إلى الجهات التي قد تكون اتخذت قرار المنع، فربما وجدوا أن أسباب المنع فيما مضى لم تكن بكافية أو مقنعة، أو ربما تغيرت الظروف التي تم على أساسها المنع سابقاً، فرُحب بي فى العودة.

 يرى البعض أن سبب السماح في هذه الفترة بالذات بعودتك إلى مصر هو انتشار التيار السلفى مرة أخرى في مصر وظهور فلول لجماعات إرهابية تتستر بالإسلام، وأن مصر تحتاج مثل هذا الصوت العاقل المتزن الوسطى، فهل وصل شىء مثل ذلك إلى مسامعك؟

 أما إخواننا من «الوهابية» الذين يسميهم البعض السلفية فليسوا بمعركتي، وأما المتطرفون أو من يسمون بالإرهابيين فمعركتنا الحقيقية مع الأسباب التي أدت إلى إفرازهم، وأما مصر فهى أكبر من أن تحتاج إلى علي الجفري.. وفي صرح الأزهر، وفي العلماء الصادقين من رجاله مَنْ يمكن أن يتصدوا للأمر.

 ألا ترى أن بعض الأفكار السلفية تغذي التيارات المتطرفة بشكل عام؟

 لا شك أن نقطة الخلاف الحقيقية مع إخواننا من الوهابيين (وأقولها بصدق إخواننا) ليست في اختلافهم مع باقى أهل السنة في الاجتهادات الفقهية أو الشرعية، وإنما الإشكال الحقيقي يتلخص في نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى: اللغة الإقصائية التي يدّعي البعض منهم أو البعض من مراجعهم أو رؤوسهم فيها الحق المطلق في فهم الكتاب والسنة حتى اختلط عندهم فهم النص مع النص، فأعطوا لاجتهاداتهم في فهم النص عصمة النص، والنص معصوم لكن الاجتهادات حول النص ليست بمعصومة.

الإقصاء في الاختلاف وعدم قبول التنوع في الاجتهاد

    وبالتالي فإن الإشكال الأول معهم هنا هو الإقصاء في الاختلاف، وعدم قبول التنوع في الاجتهاد بشكل جلي، أما النقطة الثانية فهي في توصيف الاختلاف، وذلك برفع البعض منهم سقف الاختلاف في أمور فقهية أقصى ما يمكن أن يقال عن أكبرها أنها من فروع العقيدة وليست من أصول العقيدة، والصحابة اختلفوا في فروع العقيدة كما حدث بين ابن عباس والسيدة عائشة رضى الله عنهم في مسألة رؤية الله عز وجل في الآخرة،

رفع سقف توصيف الاختلاف إلى أصول العقيدة

     فالإشكال في رفع سقف توصيف الاختلاف من اختلاف فقهي أو فرعي في العقيدة إلى خلاف في أصول العقيدة، فأودى بهم اجتهادهم أو فهمهم النصوص إلى مخالفة الأكثر ممن سبقهم، وإلى جعل مخالفيهم خارجين عن الإسلام، وتسمية بعض السلوكيات والأقوال والأفعال بالشرك الأكبر أو بالكفر والعياذ بالله، وهي إشكالية كبيرة لأنه يترتب عليها إخراج المؤمن عن دائرة الإسلام، وفكرة إخراج مؤمن عن دائرة الإسلام- مع رفض فكرة التنوع أصلاً- لا شك أنها ستؤدي مباشرة إلى الصدام بين المسلمين، وبين المسلمين ومن يجاورهم من مواطنيهم، وبين المسلمين والعالم الذي يحيط بهم، فهاتان إشكاليتان.

    غير أن الجديد- فيما أظن- أن هناك صوتاً بدأ يبرز من داخل البيت الوهابي فيه نوع من المراجعات، ولا أقصد هنا المراجعات السياسية التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية مع الحكومات، وإنما الأمر أكبر وأعمق وهي مراجعات منهجية سمعتُها من بعض إخواننا من علماء ودعاة الوهابية المعاصرين، وأعجبني وجود هذه النبرة، وتم التواصل مع بعضهم، ومع بعض المسؤولين الكبار عن الخطاب الإسلامى في المملكة العربية السعودية.

هناك مراجعات  منهجية  داخل البيت الوهابي

    واقترحتُ عليهم- وهذه هي المرة الأولى التي أُصرح فيها بهذا الخبر لوسائل الإعلام- أن يكون بيننا لقاء لثلاثة أو خمسة من إخواننا الوهابية مع ثلاثة أو خمسة من بقية مذاهب أهل السنة، يجلسون على مائدة ليس المقصود منها المناظرات الصدامية التى تحدث في بعض قنوات التلفاز اليوم، وهى أقرب إلى التهريج أو المأساة، وإنما يكون فيها نوع من المراجعات لتوصيف الاختلاف، أي  هل القضايا التي يُكفرون من يخالفهم على أساسها، ويرمونهم بالشرك الأكبر، أو الخروج عن الملة، هي  بالفعل من قبيل القضايا القطعية التي لا تقبل الاختلاف، أم أنها من الظنيات التي يجوز الاجتهاد فيها والاختلاف..

   فإن توصلنا من خلال ذلك الحوار المقترح أنها مسائل قطعية فلابد أن نخرج برأي موحد ولا نقبل الاختلاف فيها، وإن خرجنا على أنها من قبيل المسائل الظنية القابلة للاجتهاد؛ فرجِّح أنت أن هذا الفعل حرام وقُل إن الراجح عندى أنه حرام ورجَّح غيرى خلاف ذلك، ولا تُدرس لطلابك أو تنشر بين الناس فى الشارع أن مخالفك قد خرج عن الملة أو كفر أو حتى ارتكب الحرام المطبق على تحريمه، ثم تستنصر بآيات من القرآن، خالفك أئمة المفسرين وأئمة الفقهاء في فهمها.

 وماذا كان ردهم على ذلك؟

 الرد كان في الوعد، استمهلوني أياماً ليتدارسوا المسألة مع بعض انشغالات عندهم وأنتظر الرد إن شاء الله منهم عن قريب، وأتوقع الخير إن شاء الله من حصول مثل هذا الأمر. وإن كان قد سبق إلى ذلك شيخنا الكبير الإمام العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله منذ أكثر من 20 سنة حين طلب من سماحة الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الآن، أن يكون بينهما لقاء مع وجود عدد من ممثلي الطرفين ليضعوا الإشكالات على مائدة الحوار، فوعده فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي على العمل على ذلك، ولكن يبدو أنه لم يتيسر له هذا الأمر، ولعل الظروف قد اختلفت اليوم ، وأن هناك فرصة أكبر.

 سبق أن عرضت الحوار مع بعض ممثلي أصحاب الفكر الوهابي، وذكرت بعض القنوات التابعة لأصحاب هذا الفكر أنها عرضت عليك إجراء مثل هذا الحوار ولكنك رفضت فما تعقيبك على ذلك؟

لا تعامل مع من تعتبرهم الوهابية متاريس أو وسائل صدام مع الآخرين

 الحقيقة عُرض علىَّ ذلك منذ حوالي ٦ سنوات، ووافقتُ بالرغم من أني غير مقتنع بأن الحوار الإعلامي هو البداية الصحيحة، وإنما أعتقد أن البداية الصحيحة هي في الحوار المغلق الذي يعرف بعضنا البعض فيه عن قرب، وليس من خلال التلاميذ الذين يشوّه كل منهم صورة مراجع الطرف الآخر عند مرجعه، ولكني مع ذلك وافقتُ على هذا العرض وطلبتُ أن يكون الذي أمامي ممثلاً للمدرسة، وليس ممن تتعامل معهم المدرسة كمتاريس أو وسائل للصدام مع الآخرين.

 أعطنا مثالاً من ممثلي المدرسة الذين طلبت حوارهم؟

 طلبتُ مثلاً فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، أولاً هو مسؤول عن الخطاب الإسلامي في المملكة، وثانياً هو ابن المدرسة فهو سليل الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله تعالى عليه، وطلبت- إن تيسر معه- سماحة الشيخ الفقيه صالح بن حميد الذي هو الآن رئيس هيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية، وكان في ذلك الوقت رئيساً لمجلس الشورى وإماماً للحرم ولا يزال، أما الآن فأضيف أسماءً أخرى مثل فضيلة الشيخ سلمان العودة، فهذا الرجل عندما جلست معه وجدت عنده العقلانية والفهم، والقدرة على احترام النصوص المروية عن العلماء، وأشعر أن عنده صدقاً مع النفس يشجعني على الجلوس معه.

سلمان العودة شيخ فاضل عنده العقلانية والفهم واحترام العلماء

   وفى ذلك الحين أخبرتني القناة التي طلبت اللقاء بأن من ذكرت لكم سابقاً من الشيوخ قد اعتذروا فرشحت إدارة القناة غيرهم، فقلت إذاً يسعني ما وسعهم هم من العذر، وأن مَنْ رشحوهم لي، مع احترامي الكامل للكل، لا يمثلون المدرسة من ناحية، ومن ناحية ثانية- وهو الأهم- أن رؤيتهم تصادمية وليست رؤية تفاهم، بل يحسنون تهييج الجماهير والاستعراض أمام العامة دون الخوض في فحوى العلم، وقد بلغنى أنهم من وقت لآخر ما زالوا ينشرون عنا أننا تهربنا من الحوار واللقاء، وهذا الأمر لا يستحق حتى مجرد الرد عليه، ولم أعد أرغب في الاستمرار في التعامل مع محاولة تصوير أن قضية علي الجفري هي الوهابية، لأن قضايانا أكبر من ذلك بكثير.

    وأمام الأمة اليوم تحديات كبيرة في بنيانها الداخلي، و في علاقاتها ببعضها البعض، وفي نهضتها، فنحن اليوم لا نأكل ما نزرع، ولا نغزل ما نلبس، ولا نصنع ما نستخدم ونركب، ولا نملك حتى آلية تعليم أبنائنا، و مستوى التعليم عندنا اليوم منحط، وأصبحنا مضطرين لاستدعاء تجارب غيرنا بدون مصفاة، وليس من الخطأ أن نستفيد من تجارب غيرنا، لكن بسبب عدم وجود البنيان المطلوب عندنا صرنا نأخذ ما عند غيرنا على علاته، فهذه كلها تحديات تقوم الآن أمامنا، ويشهد عالم اليوم وتيرة شديدة التسارع في الحراك الفكري، وتفريعه وتشعبه، والتطورات فى الأحداث المتقلبة، وتغيير المبادئ والقيم، وكل ذلك لا دور لنا فيه للأسف.

مللنا من  تصوير الأمر على أن الصدام هو قضيتنا مع الوهابية

   فكل ما سبق من تحديات ونحن مشغولون بقضية وهابية وصوفية، وسنة وشيعة، وإخوان وحكومات، ورضينا أن نقبع في هذا الركن الضيق، وجعلنا ذلك مبرراً للهروب من واجب الانتهاض الذى نحتاج إليه اليوم لخدمة أمتنا وخدمة العالم، ذلك العالم الذي يحتاج اليوم أن يستمع منا إلى لغة تعينه على أن يفيق من التخبط الذى يعيش فيه الآن.

 هل لذلك علاقة بمشاركتك فى رسالة “كلمة سواء” إلى العالم المسيحي والغربي مع ما يقرب من 140 رجل دين مسلم في أعقاب أزمة بابا الفاتيكان؟

 معنى كلامك أن استخدام الدين في الصراع السياسى يضر بالدين أم بالسياسة؟

 يضر بالجميع، بالمتدينين وبالساسة والسياسة، والأهم من ذلك يضر بشعوب العالم، أما الدين الذي هو دين الله فلا يضره شىء، ولا يرقى شىء للإضرار به، وانظر اليوم كم من الدماء تسيل تحت لافتة الدين، أو باسم الدين، وقد كان هناك تقرير أعدته مؤسسة غربية عن القتل باسم الدين، فوجدت أن أكبر نسبة قتل تمت فى التاريخ كانت على أيدي المسيحيين، يليهم البوذيون، ثم المسلمون، فالهندوس، وكانت الأعداد مهولة!

 إذا التقت جماعة تحت مظلة إسلامية أو دعوية أو تحت شعار إسلامى فهل من حقها ممارسة العمل السياسى تحت هذا الشعار؟

 المطلوب من جميع المسلمين أن تكون حياتهم كلها من خلال هَدْى وأخلاق ومخاطبة الإسلام، ومعظم دساتيرنا تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى، وبعضها ينص على أنه الوحيد للتشريع، فقضية دخول البعض إلى السياسة باسم الإسلام قد يترتب عليها فهم أن غيرها من التيارات ليس له علاقة بالإسلام وهذا خطير، وفى نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يحجر على الإسلام ويقول ليس من حق أحد أن يتكلم باسم الإسلام.

  وبالنسبة لشخص الفقير إلى الله لا أرى أبداً أن خدمته للإسلام تكون من خلال السياسة، وغير مقتنع أصلاً بأن يكون لعلماء ودعاة الإسلام ممارسة للسياسة، بمعنى العمل على الوصول إلى الحكم، أو تولي المناصب السياسية وتصحيح الوضع من خلالها، فلست مقتنعاً بأن هذا يفيد، ولعل التجربة المعاصرة قد أثبتت صحة هذا الكلام، ولكن أن يكون لعلماء الدين والدعاة دور في السياسة من خلال الترشيد والتوضيح، وتعليم السياسى ما يفيده من الدين في سياسته فنعم، وهو دورنا كذلك مع الاقتصاديين والاجتماعيين والأكاديميين ومختلف شرائح المجتمع.

 هل تصلح ولاية الفقيه فى هذا العصر؟

 ولاية الفقيه قول شاذ عند شيعة جبل عامل رحجه الإمام الخميني

 لم تصلح ولاية الفقيه في العصور الماضية حتى تصلح في عصرنا هذا، وولاية الفقيه- حتى عند إخواننا الاثنى عشرية- في الأصل أنها باطلة لا تصح إلا عندما يأتي الإمام المهدى، وقد كانت ترجيحاً واجتهاداً من الإمام الخمينى رحمة الله عليه، لقول شاذ كان عند شيعة جبل عامل، فحوله من قول مرجوح أو شاذ إلى قول راجح، وبنى على أساسه «الثورة الإسلامية». وهذا ليس قولي، بل هو ما صرح به عدد من كبار مرجعيات «قم». فولاية الفقيه بالمفهوم الاصطلاحى الحقيقى الذي نراه اليوم لم تكن مقبولة لا عند السنة ولا عند الشيعة ولا عند الإباضية ولا الظاهرية فى السابق.

 هل تعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين تمارس هذا الخطأ بممارسة السياسة تحت شعار ديني؟

 هذا ثالث سؤال يوجه لي فى زيارتى لمصر لأبدي رأيي في جماعة بحجم جماعة الإخوان المسلمين، ولا أرى أن هذا من المناسب أبداً من جهتى، لا تهرباً من قناعة عندي وإنما لا أرى أنه سيترتب عليه نفع حقيقى، وقد بينت وجهة نظري فيما أتبناه في سلوكى، ولست حَكَماً على غيرى فيما يفعل، والإخوان المسلمون فيهم المسىء وفيهم المحسن، وقراءتي لما كان عليه الشهيد الإمام حسن البنا، رحمة الله تعالى عليه، وما سمعته من إخوانه المعاصرين له في مسيرة التنظيم، أمثال الأستاذ محمد فريد عبدالخالق، وهو رجل في التسعين من عمره، عندما سألوه في إحدى القنوات الفضائية عن تقييمه لعمل الإخوان المسلمين في هذه المرحلة، فقال: «حسن البنا قال كلمة للتاريخ وللإخوان وللعمل الإسلامي، في آخر كلام له قال لو استقبلت من أيامي ما استدبرت لعدت إلى ما كنت عليه، أُعلّم الإسلام وأربي عليه الناس»، وأضاف وقتها: «أنا لا أنكر على الناس أن يكون لهم تواصل بالحياة ويدخلوا الانتخابات لكن لا يجعلوها هي الأساس»..

حسن البنا : لو استقبلت من أيامي ما استدبرت لما أقحمت الجماعة في السياسة

   وهذا الكلام سمعته أيضاً من سماحة الشيخ بشير الشقفة حفظه الله، عن الشيخ محمد الحامد من علماء حماة، أنه لقى حسن البنا رحمة الله عليه في الشهر الأخير قبل استشهاده وقال له: «يا شيخ محمد لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما أقحمت الجماعة في السياسة، ولو قلت لي ماذا تتمنى لقلت أن أعتكف في قرية من قرى مصر على تعليم الصغار أحكام الدين وتأليف سلسلة من الكتب أسميها (الإسلام كما فهمته)». وفى آخر لقاء صحفي لفضيلة الشيخ محمد الغزالي، رحمة الله عليه، قبل وفاته ذكر أن البنا رحمة الله عليه ذكر كلاما قريبا من هذا،

    و بعدما قرأت القناعة التى وصلت إليها مسيرة الرجل المؤسس تأكد فى نفسي ما استقر في داخلي من منهج، أما الإخوان وماذا يريدون وماذا يفعلون فلست حكماً عليهم.

 هل ترى أن حسن البنا شهيد؟

 أى إنسان يُقتل غيلة بغير حكم قضائي أو قصاص شرعى وهو مسلم فالحكم الشرعي الظاهر عليه أنه شهيد، كذلك أستطيع أن أعبر عن القاضى أحمد الخازندار، الذى اُغتيل بعد حكمه في قضية مقتل النقراشى باشا، بأنه شهيد، والنقراشى باشا أيضا أما الأمور الباطنة فبين الإنسان وربه، ورُبَّ قتيل بين الصفوف الله أعلم بنيته

 قلت إن معركتك ليست مع الوهابية لكنك خضت معارك بالفعل وخرجت بسببها من المملكة العربية السعودية؟

     إخواننا من متعصبي الوهابية هم الذين قادونا في مرحلة من المراحل ودفعونا دفعاً إلى المعركة، عندما انتهت فترة الشيوعية عندنا في ما كان يسمى باليمن الجنوبي، وحصلت الوحدة، وعدنا إلى مدارسنا مع أشياخنا الذين شُردوا عن مدارسهم، وبدأنا نفتحها ونعيد صلاتِنا بإندونيسيا وجنوب شرقي آسيا وشرقي أفريقيا، وكل المناطق التي كانت تتبع تلك المدرسة دعوياً، فوجئنا ببعض إخواننا من الوهابية بدعم مؤسسي ضخم وصلوا إلى مدارسنا وحاولوا الاستيلاء على مساجدنا، وغرروا بكثير من شبابنا بطريقة تحولهم إلى أشخاص صداميين، يتهمون من خالفهم بالكفر، فأقحمنا إقحاماً للدفاع عن منهج أهل السنة الموجود عندنا من هذا الهجوم الشديد.
وربما كنت شرساً أكثر مما ينبغي ففي لحظة كنا نشعر فيها أن إخواننا هؤلاء جثموا على مدارسنا ومساجدنا، ولا أريد أن أبرر لنفسي، ولم يعطونا أية فرصة، حاولنا وراسلنا مشايخهم في اليمن، قلنا لهم إن المعركة أكبر من ذلك، ودعونا نتعاون، وكانوا يقولون أنتم قبل اليهود والنصارى نتخلص منكم، فبمجرد أن نجحنا في دفعهم عن مساجدنا ومدارسنا ووضعنا أقدامنا وبدأنا ندرس ونعلم منهجنا، قررنا حسم الأمر بأنه ليست بيننا وبينهم معركة، وحسم المعركة جاء قبل منع الفقير من السفر إلى المملكة بسنوات، وحتى المنع جاء بعدما أعلنت علناً أن هؤلاء لم يعودوا محل معركة بالنسبة لنا.

   البعض قال إن خروجك من السعودية كان بسبب تصريحات شديدة القسوة ضد الوهابيين وصلت إلى حد أنك وصفتهم بالخروج من الملة؟

 النار التى صلانا بها إخواننا من متعصّبى الوهابية هي نار التكفير، فلا يمكن لمن احترق بهذه النار أن يحرق بها غيره، فلا نكفر وهابية ولا شيعة ولا إباضية، ولا يمكن أن توجد جماعة تستشعر حرمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتؤمن بمسلمات الدين الإسلامى، تُكفّر أحداً من أهل القبلة؛ فالتكفير حكم قضائي وليس بفتوى يفتي بها كل من أراد، فضلاً عن أنني لم أُخرج من المملكة ولكنّي مُنعت من دخولها.

 ليس لمن احترق بدعاوى التكفير أن يصم غيره بها

 من أكثر الخلافات التي أثارتها فتواهم بينك وبينهم كانت تحريم الصلاة في المساجد التي فيها أضرحة

لا أود الخوض في ذلك مجدداً، ولكن ذلك الأمر هو سبب خلافهم مع جمهور أهل السنة والجماعة، وليس معي فقط، فلست من أجاز الصلاة في المساجد التي ألحقت بها أضرحة، بل هو منهج جوامع الأزهر والقيروان والزيتونة ومحاضر موريتانيا ومدارس الهند الأصيلة العتيقة، ومدرسة الشام ومدرسة حضرموت، بل و مدرسة الحجاز من المملكة العربية السعودية، والإحساء، وحتى نجد ما قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ والذي يقرأ كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، للشيخ بن حميد من علماء نجد ما قبل دعوة الوهابية سيجد فيه ما كان سائداً في الأمة وبين علمائها، والذي يقرأ كتب الحنابلة التي لا يزال يرجع إليها القضاء في المملكة العربية السعودية، مثل كتب الإمام ابن قدامة المقدسي والبهوتي وابن مفلح أو غيرهم، سيجد أن هذه المسائل موجودة فيها والأصل فيها الجواز.

 عانيت من القول بتشيعك وأنك متصوف، وكان خبراً بثته وكالة أنباء فارس الإيرانية؟

الرد على خبر التشيع للطابع شبه الرسمي لوكالة فارس

 هناك من يحاول الطعن في شخص الفقير وكأن القضية متعلقة بشخص، والشخصنة هذه تقتل الكثير من مشاريع الأمة النهضوية، والشائعات كثيرة وعادتي ألا أرد، فلو أخذت في تفنيدها واحدة تلو الأخرى لتوقفت- لكثرتها- عن عمل أى شىء آخر غير رد الشائعات، والشىء الوحيد الذى تعاملت معه هو قضية التهمة بالتشيع، والسبب في ذلك أن المسألة تطورت من كلام عبر الإنترنت إلى خبر في وكالة أنباء فارس، وهذه وكالة شبه رسمية، فأصبح الوضع كأنه خطاب من إيران إلى العالم بأن علي الجفري أصبح كذا، فاضطررت إلى تكذيب ذلك، والإخبار بحقيقة ما أنا عليه، وأنني على منهج أهل السنة، ولا أبغض شيعياً ولا إباضياً ولا وهابياً ولا غيرهم، فكلهم من أهل الإسلام والقبلة، ولكنّي من أهل السنة والجماعة، مذهبي شافعي، وأحترم المذاهب جميعها، وقد أرسلنا إلى وكالة أنباء فارس بياناً بتكذيب ذلك الخبر فلم تبثه للأسف.

http://www.almasry-alyoum.com

© 2014 TABAH WEBSITE. All rights reserved - Designed by netaq e-solutions